)تواجه حكومة رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، هذه الأيام حصاراً من الاتجاهات كافة وعلى مختلف الأصعدة، بما في ذلك تعرضها للنيران الصديقة من جهة تحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير”، الحاضن السياسي للحكومة، التي باتت أمامها اختبارات صعبة.وكان آخر مظاهر الحصار، هو المسيرات التي خرج فيها المئات من أنصار الرئيس المعزول، عمر البشير، في مدينة الفولة، مركز ولاية غرب كردفان، غربي البلاد،، تحت شعار “الزحف الأخضر”، في إطار روزنامة احتجاجات تصاعدية دشنها أنصار البشير في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهم يتنقلون بها من مدينة إلى أخرى، وهدفهم إسقاط الحكومة. وهم يستخدمون في سبيل ذلك الهدف جملة من الوسائل والأدوات، منها الطرق على موضوع الأوضاع المعيشية المتدهورة والفشل في معالجتها، لتجريد الحكومة من شعبيتها. هذا فضلاً عن إثارة عاطفة الانتماء الديني، برسم صورة لحكومة حمدوك، بأنها ضدّ تطبيق القوانين الإسلامية في الحياة العامة، وتسعى إلى فرض نظام علماني في الدولة.ويعمل أنصار البشير في إطار حصارهم للحكومة، على ترسيخ اعتقاد وسط من ثاروا على النظام السابق، بأنّ جهات سياسية عمدت إلى سرقة الثورة الشبابية وسخّرتها لمصالحها الحزبية. وقد كان لافتاً في مسيرات مدينة الفولة ترديد شعارات الثورة السودانية نفسها، وهي “حرية، سلام، وعدالة”، فضلاً عن المطالبة بتصحيح مسار الثورة، وذلك لضمان انضمام مناصرين للثورة إليهم، أو على الأقل تحييدهم عن دعم السلطات الجديدة.وتعطي كل تلك العوامل نسباً لنجاح مسيرات الزحف الأخضر، يوماً بعد يوم، بيد أنها في كثير من الأحيان تساهم في وحدة الصف الثوري وتماسكه، ولا سيما عندما يشعر الجميع بخطر العدو القديم بالنسبة إليهم، ما يدفعهم إلى تناسي خلافاتهم، والاصطفاف في مواجهة تحركات النظام السابق.ومن المفارقات أن يوم الخميس الماضي شهد خروج الآلاف من أنصار تحالف “الحرية والتغيير”، في موكب وصل إلى مقر مجلس الوزراء في الخرطوم، بغرض الضغط على حكومة حمدوك نفسها، لاستكمال هياكل السلطة الانتقالية، ممثلةً بتعيين ولاة مدنيين في الولايات، وتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي، وإنشاء المفوضيات المستقلة التي حددتها الوثيقة الدستورية، مع المطالبة كذلك بولاية وزارة المالية على المال العام، وحسم موضوع تبعية بنك السودان لمجلس الوزراء.وجاء خروج الآلاف استجابةً لدعوة من “قوى الحرية والتغيير”، بينما كان “تجمّع المهنيين السودانيين”، الدينمو المحرك للثورة، أكثر مكونات التحالف حماسةً للدعوة وترتيباتها، وكذلك تبني تقديم مذكرة لرئيس الوزراء بالمطالب.ويرى التجمّع أنّ بقاء العسكريين في مناصب ولاة يسبّب غضباً شعبياً كبيراً، وعدم شعور المواطنين بوجود تغيير ثوري على المستوى الولائي والمحلي، ويشير إلى أنّ الولاة العسكريين غير قادرين على اتخاذ قرارات ثورية بإبعاد رموز النظام السابق عن مفاصل السلطة في الولايات، ما يسبّب ضعفاً في الخدمات وبطئاً في التعامل الأمني مع بعض التفلتات.غير أنّ أحزاباً سياسية داخل تحالف “الحرية والتغيير” أبدت اعتراضاً على الدعوة، وعلى أي محاولة أخرى للضغط على الحكومة. بعض تلك الأحزاب أعلنت موقفها صراحة عبر بيانات رسمية، بينما اختارت أحزاب أخرى إبراز موقفها الرافض داخل الأجهزة الخاصة بالتحالف، فيما جاء موقف بعض لجان المقاومة (لجان شبابية يعتمد عليها للمشاركة في المواكب) غير متماهٍ هذه المرة مع دعوات المواكب، لعدم إيمانها بأهداف هذه الدعوات، ولأنها تعطي مؤشرات سلبية على عدم التوافق بين الحكومة وحاضنتها السياسية، “تحالف الحرية والتغيير”. لكن في النهاية، قامت المواكب وبدأت تبرز مرحلة اصطفاف جديد داخل صفوف التحالف الحاكم، قد تتصاعد مخاطرها في الفترة المقبلة، إذا لم يجرِ تداركها بالسرعة المطلوبة، حسب تقديرات الكثيرين.