غزة الفلسطينيون يبحثون عن مستقبلهم الاقتصادي تحت أنقاض مصانعهم المدمّرة
التهمت النيران التي أشعلتها قذائف مدفعية إسرائيلية الخميس الماضي أكبر مصنع للأثاث في قطاع غزة حيث حولته الى ركام خلال خمس ساعات ليختلط رماد الأثاث بحجارة الأسقف وقضبانها الحديدية التي سقطت أرضا.
وأصيب مالكا المصنع إياد ونهاد السوافيري بالصدمة لدى رؤيتهما بقايا المصنع الواقع في المنطقة الصناعية على الحدود مع إسرائيل شرقي القطاع، لكنهما اعربا عن املهما بإعادة دوران عجلة الانتاج في المنشأة التي قالا إنهما استثمرا فيها كل ثروتهما.
يقول نهاد السوافيري (43 عاما) “أصبت بصدمة كبيرة، هذه مجزرة ارتكبت بحق المصنع”.
وكان من بين المحتويات نحو عشرين آلة ثقيلة ومطابخ خشبية جهزت لنقلها إلى الزبائن، بحسب ما أكد شقيقه إياد.
ويقول إياد “وضعنا كل ثقلنا وما نملك من مال في المصنع على اعتبار أنه في المنطقة الصناعية كمكان آمن ومحمي دوليا”.
ويضيف مستغربا “كنت على يقين أن لن يطال المصنع اي أذى فهو أكبر مصنع للأثاث هنا”.
لكنه يستدرك قائلا “لقد خسرنا الملايين، سننتظر التعويضات المالية عندما تبدأ مرحلة إعادة الإعمار”.
وأعرب عن أمله في أن يعيد “بناء المصنع وأن لا تعيق إسرائيل إدخال الآلات الضخمة” مضيفا “قتلوا الأمل لدينا”.
وتسيطر إسرائيل بشكل كامل على معبري بيت حانون (إيريز) الخاص بالأفراد شمالا، وكرم أبو سالم (كيريم شالوم) التجاري جنوبا، إذ لا تدخل أي بضائع ومعدات وآلات أو مواد خام وغيرها دون إذن إسرائيلي.
وأنشئت المنطقة الصناعية عام 1996، بالاتفاق مع إسرائيل، بعد عامين من تأسيس السلطة الفلسطينية، لتكون أولى المدن الصناعية في الأراضي الفلسطينية، على مساحة نحو 500 ألف متر مربع وتضم مجموعة كبيرة من الشركات الصناعية والتجارية المحلية والعالمية والمؤسسات الدولية والهيئات الحكومية والبنوك، ويعمل فيها نحو عشرة آلاف عامل.
ومن بين أبرز المنشآت مصنع كوكا كولا وآخر للبسكويت والسكاكر وللمنظفات والشامبو ومصنع للأنابيب البلاستيكية.
وعند مدخل المنطقة المغلقة توجد مخازن مساعدات غذائية تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) والتي تعرضت لأضرار جسيمة خلال حرب 2014.
وفي التصعيد العسكري الأخير، تضررت عدة منشآت في المنطقة الصناعية سواء بشكل كلي أو جزئي في حين كانت منشآت أخرى أوفر حظا.
وفي 2021 تم تزويد المنطقة الصناعية بمشروع الطاقة الشمسية للكهرباء بقدرة إنتاجية تبلغ 7,3 ميغاواط.
– 150 طنا من البلاستيك –
وطال القصف الإسرائيلي أيضا مخزن شركة “السكسك للأنابيب البلاستيكية والادوات الصحية” حيث اتت النيران على 150 طنا من المنتجات البلاستيكية في خسائر قدرت بأكثر من مليون دولار بحسب مدير الشركة نعيم السكسك.
ويروي السكسك كيف أن حريقا اشتعل قرب مصنعه في المنطقة الصناعية في بداية الحرب. ويقول “اعتقدنا أنه عن طريق الخطأ”.
ويضيف “لكن قبل ثماني ساعات من بدء التهدئة أبلغني الحراس أن حريقا شب في المصنع، لكن الجيش الإسرائيلي رفض إدخال الصليب الأحمر أو الدفاع المدني إلى الموقع” لإخماده.
ويقول السكسك لوكالة فرانس برس إن شركته تمتلك أكبر مصنع للأنابيب في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل.
وتوفر نحو تسعين في المئة من الأنابيب مختلفة الأحجام والضرورية لمشروعات البنية التحتية، بحسب السكسك، الذي لفت إلى توريد جزء من بضاعته إلى الضفة الغربية.
ويعاني القطاع من نسبة تلوث كبيرة في المياه.
وقال وهو يقف أمام مصنعه والمخزن بجانب بقايا أنابيب محترقة “عندما ضربوا مصنعنا فهذه ضربة موجعة للاقتصاد والصناعة في فلسطين، هذه أهداف لا علاقة لها بالأمن ولا بالفصائل ولا بالصواريخ، المنطقة الصناعية متفق عليها مع إسرائيل”.
لكنه أكد أن خطوط الإنتاج في المصنع “تستطيع العمل فورا لأن الماكينات لم تتضرر، نستطيع إنتاج 2000 طن شهريا من أنابيب مختلفة وخزانات المياه، لكن إنتاجنا الفعلي حاليا فقط مئة وخمسون طنا”.
– “قنبلة موقوتة” –
يبدو القطاع وهو شريط ساحلي ضيق حيث يعيش نحو مليوني نسمة ثلثهم من اللاجئين، وتحاصره إسرائيل برا وبحرا وجوا منذ أربعة عشر عاما، أشبه بـ”قنبلة موقوتة”، بحسب عمر شعبان المحلل الاقتصادي والسياسي، خاصة وأن نسبة البطالة في القطاع تبلغ حوالى 50 في المئة.
وقال شعبان وهو مدير مؤسسة “بال ثينك” للدراسات السياسية والاقتصادية (غير حكومية) إن الحل يكمن في “اتفاق سياسي برعاية دولية والعمل على إيجاد تنمية مستدامة للاقتصاد الفلسطيني
وإعادة إعمار قطاع غزة وإنهاء الأزمات الإنسانية التي يعانيها سكان القطاع، وهذا يتطلب المصالحة بين حماس وفتح والشراكة السياسية”.
ونوّه شعبان إلى أن على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الضغط على إسرائيل لرفع الحصار المفروض على القطاع، مشددا أن الحصار يقود إلى “مزيد من التطرف والعنف”.
ويصف رئيس الغرفة التجارية في قطاع غزة وليد الحصري ما حدث بأنه “هزة كبيرة في قطاع الصناعة والاقتصاد في غزة، نريد الاستقرار”.
وبحسب الحصري “ليس صعبا إعادة إعمار ما دمر إذا توفر الدعم المالي العربي والدولي”.
وتوصلت حماس وإسرائيل فجر الجمعة إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار بوساطة مصرية بعد أحد عشر يوما من أعنف مواجهة عسكرية بينهما منذ 2014.
ويجري وفدان أمنيان مصريان جولة مباحثات مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تهدف إلى تثبيت التهدئة وبحث عقد مؤتمر دولي لإطلاق مشروع لإعادة إعمار القطاع، وتخفيف إجراءات الحصار الإسرائيلي على القطاع، وفق مصادر مصرية وفي حماس.
ويقول السكسك “من غير المقبول أن نبني ثم تدمر إسرائيل كل خمس سنوات”.