قبل الحديث عن مسرحية (جسِّ النبض)، المسماة
بالمحاولة الانقلابية، نسأل عما حدث لما سمُّوها – في مارس العام 2020- بمحاول اغتيال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك .. عام ونصف العام، هو عُمر لجنة التحقيق التي تم تشكيلها لحل طلاسم محاولة اغتيال رئيس وزراء البلد بعربة مُفخخة استهدفت موكبه، فأين نتائج التحقيق؟، وأين الجناة؟.. نعم، منذ عرض صورة لعربة مُدمرة، ثم بيان مجلس الوزراء، لم يرَ الشعب شيئاً ولم يسمع، وكأن ما حدث – تحت كبري كوبر – كان مجرد مشهد من مشاهد (فيلم هندي)..!!
:: المهم..عند الثامنة صباحاً، والشمس في كامل شروقها، أطلق محمد الفكي عضو المجلس السيادي النداء التالي: (هبوا للدفاع عن بلادكم وحماية الانتقال)، حتى ظننت أن البُرهان محاصر في بيت الضيافة، وحمدوك بالمطار ليهرب .. فانزعجت، وحملت عُكازي – وعضيت طرف العراقي – وهرولت إلى صفحته الإلكترونية، بحثاً عن أماكن التجمع ومسارات التظاهرة .. وهناك تفاجأت بالجماهير الوفية سبقتني إلى الصفحة، ثم هبت على الفكي هبة رجل واحد، بدلاً من أن تهب على الانقلابيين .. لم أجد نصيراً للنداء في صفحة الفكي، بالإجماع (هبوا عليه)، وكأنه قائد الانقلاب..!!
:: غادرت صفحة الفكي، بمظان أن الفلول قد احتلوها، وتوجهت – بعُكازي – إلى صفحة وجدي صالح، عسى ولعل أجد دليل المواكب وأماكن التجمع، فوجدت وجدي يكتب بأعلى صوته: ( قسماً قسماَ لن ننهار، دي ثورة ممهورة بدماء الشهداء)، أو هكذا أعلن التحدي – على الانقلابيين – في صفحته، فتذكرت جماهير فريق أم دورين التي كانت تهتف لفريقها عند كل هزيمة في دافوري القُرى: ( قسماً قسماً لن تنهار، أم دورين تولع نار)، وإلى أن كبرنا ونزحنا إلى الخرطوم لم يكسب أم دورين مباراة .. وكما الفكي، وجدي أيضاً كان يهتف وحيداً..!!
:: وغادرت صفحة وجدي إلى الشارع، بمظان أن الثوار تركوا مواقع التواصل للفلول، ليملأوا الطرقات استجابة لنداء الفكي ووجدي .. ولكن لم أجد في الشوارع غير المارة بمنتهى اللامبالاة، وكأن نداء هذا وذاك لايعنيه .. وغادرت الشارع، فوجدت أخباراً لا تليق بالانقلابات العُظمى، ومنها فشل الانقلاب بسبب رفض مهندس البث – علي حجو – إذاعة البيان .. بحثت عنه، فوجدت تلفزيون لقمان يحاوره بدلاً عن بث أخبار المحاولة وآثارها السياسية والاقتصادية، فقلت لمن حولي (حجو الأبا يذيع البيان) أصبح قضية الساعة، مثل ( الطيب الأبا يبيع النعجة) في عهد الفلول .!!
:: وعلى كل، لم يخرج الثوار للشارع، ليس دعماً للانقلاب، ولكن لأنهم أذكياء، وعلى قدر عال من الوعي السياسي .. ويميّزون ما بين صوت الوطن وصرخة السُلطان، ويعرفون متى يخرجون؟، ولمن يخرجون؟، ولم يعد سهلاً خداعهم بالخطب، وهذا من أهم دروس الأمس، ويا له من ( درس مؤلم).. *نعم، فالثائر ليس قطيعاً يهرول إلى الشارع ( بلا فهم) .. ولو أخضع أي مركز دراسات رد فعل الشارع للدراسة، لوجد أن ظهر الحكومة المدنية (صار مكشوفاً)، وهنا مكمن الخطورة، ولكن النُشطاء – الذين نلقبهم بالمسؤولين – لا يعلمون..!!
:: فليسأل الفكي نفسه، لماذا لم يهبوا دفاعاً عنه؟، ولماذا تدافعوا إلى صفحته وهاجموه؟ .. بالتأكيد لم يقصدوه في شخصه، ولكنه تجسد لهم في (هيئة الفشل ) التي تلازم حكومة ثورتهم، فصبوا فيها جام غضبهم.. حكومة سادتها عجزوا عن كشف من فض الاعتصام وقتل الشهداء، فلماذا يهبون لنجدتهم؟، وعجزوا عن إصلاح الوضع السياسي، وتوسيع الحاضنة بكل دعاة الديمقراطية، بدلاً عن تقزيمها في أحزاب عضويتها (حمولة لوري)، فلماذا يهبوا لنجدتهم..؟؟
:: وعجزوا عن استكمال هياكل الدولة، بحيث يكون للسودان مجلس للتشريعات والرقابة، ومحكمة دستورية تفصل في القضايا الكبرى، ومجالس للقضاء والنيابة تبعد العدالة عن أوساخ السياسة، مثل كل دول العالم، بما فيها الشمولية، فلماذا يهبوا – الثوار – لنجدة وتثبيت مقاعد هؤلاء العاجزين عن تأسيس أهم أركان الدولة؟.. تسلقتم على أكتافهم في حين غفلة، ولكنهم انتبهوا .. فأصغر ثائر يعلم أن الثورة لاتزال في نفوس الثوار، وما في الحكومة هم من نُلقبهم بالمسؤولين المطالبين بتحقيق أهداف الثورة، ولكنهم عجزوا..!!
::وبالمناسبة، في مايو 2020، وقبل أن يصبح وزيراً بمجلس الوزراء، كتب خالد عمر في صفحته: ( ما تعيشه البلاد حالياً في الفترة الانتقالية من صراعات ليس جديداً على بلادنا، هي ذات صراعات الديمقراطيات الأولى والثانية والثالثة، كلها تنتهي بالخلاصة التي لخصها الزعيم الراحل الشريف زين العابدين الهندي: الديمقراطية كان شالها كلب مابنقول ليهو جر)..هذا ما كتبه خالد قبل أن يصبح وزيراً، ولم يكن شرق السودان ( مقفولاً)، فماذا يكتب اليوم.. ؟!
الطاهر ساتي