قحت .. إنكار ما حصل لها في باشدار من قبل لجان المقاومة رغم تحذيرات أهل المنطقة
الإتهامات للأجهزة الأمنية فيما حدث لمظاهرة قحت بالأمس ما هو إلا حالة إنكار وهروب من الحقيقة الموجعة. الحقيقة أن هذا هو حصاد زرعكم.
لم يكن جهاز الأمن هو من اعتدى على المؤتمر الشعبي في قرطبة، و لم يكن جهاز الامن هو من اعتدى مظاهرات الزحف الأخضر في مدني وفي الخرطوم، ولا على اجتماعات و تجمعات حزب المؤتمر الوطني والإسلاميين. و الذي اعتدى على ندوة الشواني معمر في أتني لم يكن جهاز الأمن، ولا الذين حاولوا مهاجمة اعتصام القصر هم من الأجهزة الأمنية. كل هذه الاعتداءات وغيرها تمت بواسطة مجموعات محسوبة على ثورة ديسمبر و باسم الثورة. هذا هو السياق الحقيقي للاعتداء على مظاهرات قحت بالأمس.
ثم إن الإدانات التي خرجت هنا وهُناك من بعض لجان المقاومة وهي تتبرأ من العنف و تبرئ الثورة وتدعي بأنه يتعارض مع شعارات الثورة هي أمر طارئ ولم نكن نسمعه من قبل في الأحداث المشابهة. لماذا لم تخرج هذه اللجان لتدافع عن قيم ومبادئ وشعارات الثورة حينما تم الإعتداء على مظاهرات الزحف الأخضر و غيرها من الأحداث؟ لم تخرج أي إدانات دفاعاً عن قيم الثورة من شتات ثورة ديسمبر الذين يتباكون الآن عليها ببساطة لأنهم لا يؤمنون بشيء اسمه قيم مجردة، ولذلك لا يتذكرون هذه القيم إلا حينما تكون في صالحهم. هذه القوى محتاجة لوقت طويل وتجارب مريرة حتى تتعلم المعنى الحقيقي لهذه الشعارات.
في الحقيقة هُناك سياق كامل للإقصاء والكراهية، وما العنف إلا نتيجة حتمية لخطابات الإقصاء والكراهية التي هي من صميم وعي ثورة ديسمبر؛ فالآخر المختلف هو عدو مستباح كُليا تجوز في حقه كافة أشكال الانتهاكات بلا أي رحمة، يشمل ذلك جسده وشكله وأفكاره وحقوقه وكرامته؛ تجريد كامل من كل شيء، حتى إذا مات سيجد من يشتمه ويسبه وسط تصفيق الآلاف الآخرين. هذه هي الحقيقة التي عشناها في الفترة السابقة. الأمثلة كثيرة على حفلات التنمر الجماعي واغتيال الشخصيات، بدءاً من قروب “منبرشات” سيء الذكر، و مروراً بالهتافات و التعدي على الأشخاص وتصويرهم ونشر الفيديوهات لحفلات التشفي و ليس انتهاءً بحوادث الاعتداءات الجسدية ومشاهد الدماء السائلة، وكل ذلك يحدث باسم الثورة!
من المسئول من كل ذلك؟ المسئولية تتراوح بين التورط المباشر والتشجيع والتبرير والتواطؤ والصمت، ويتحملها شتات ما يُسمى بقوى الثورة المختلفة. هؤلاء هم المسئول الأساسي عن كل ذلك.
لايوجد عنف بدون رؤية مسبقة للآخر تبرر ذلك العنف وتعمل كغطاء أخلاقي له. هذه الرؤية في حالة شتات قوى ديسمبر هي الأحقية الناتجة عن الثورة، حيث ينقسم الناس إلى قوى ثورية لها الحق الحصري في السلطة وتحديد مصير البلد، وقوى أخرى هم عبارة عن فلول/كيزان/أحزاب فكة/إنقلابيين/حركات هامش انقلابية/قوى تقليدية موالية للنظام البائد/ وأخيراً قوى تسوية وهبوط ناعم؛ من هُنا يبدأ العُنف، من الشعور بالاستحقاق الحصري بيما الآخر لاحقوق له ولا حتى في المشاركة في حوار سياسي على القضايا الوطنية؛ فقوى الثورة كلها تقريبا ترفض مجرد الجلوس مع الآخرين، وفي النهاية انتشر هذا المرض داخلها هي نفسها و تمزقت وتفككت، وكانت النتيجة الطبيعية أن يرتد خطاب الكراهية والعنف إلى داخلها.
وفي الختام نكرر ما نقوله باستمرار. لابد من الخروج من كل هذا العبث، والذي وصل لنهاياته بالفعل. و البديل هو لغة الحوار والتدافع الفكري والسياسي بمبادئ وقيم ومن أجل أهداف وطنية يتفق حولها الجميع وإن اختلفوا في الوسائل. و ذلك لن يحدث قبل القطيعة الكاملة مع إطار ثورة ديسمبر الإقصائي (الذي تصدع سلفاً) وقبره للأبد.
حليم عباس