قحت تمارس كذبة الكونكورد
تلك الممارسة أو النظرية هي الاستمرار في الفعل رغم التأكد من عدم جدواه. يرجع أساس الممارسة الي المسئولين في حكومتي فرنسا وانجلترا وإصرارهم علي المضي قدما في صناعة طائرة الكونكورد الخارقة للصوت، حيث اتفقت الدولتان علي تصنيع طائرة أسرع من الصوت منذ منتصف عقد الخمسينات من القرن الماضي ومن اجل ذلك الهدف قامتا بتشكيل لجان هندسية وفنية ومالية حتى تري الفكرة النور ، وبالفعل قام المهندسون والمصممون بعملهم وتم الاتفاق علي تصميم الطائرة بالصورة المخروطية التي عرفت بها. ولكن، وبعد اكتمال كل الأعمال الهندسية وأعمال التصميم جاء المحللون الماليون ونظروا في كل بدائل التشغيل الممكنة وانتهوا الي أن كل البدائل خاسرة، وان الطائرة ستكون خاسرة بأي صورة تم تشغيلها ورفعوا الأمر الى مسئولي الحكومتين ، اجتمع الوزراء من الحكومتين ونظروا في تقرير المحللين الماليين وطلعوا بقرار عرف لاحقا بنظرية أو ممارسة أو كذبة الكونكورد وجاءوا بتبرير غريب: ” نعم، نحن نعلم أن الطائرة خاسرة تحت كل بدائل التشغيل، لكننا أمضينا سنينا طويلة في دراسة المشروع وصرفنا أموالا طائلة وبذلت مجهودات فنية ضخمة، لكل ذلك سنمضي في هذا المشروع”. وبالفعل تم تدشين الطائرة وجدولت رحلاتها بين أوروبا و أمريكا (فقط) وكانت تحلق والجميع يعلم أنها خاسرة، ولم تشتر اى دولة في العالم طائرة منها، واستمر تراكم الخسائر يزداد ويتراكم، إلا أن الدولتين تمسكتا بكبريائهم متحملين الخسائر الضخمة لأكثر من ربع قرن إلى أن هداهم الله أو ربما لم يعد ممكنا تحمل المزيد من الخسائر، فأوقفوا الطائرات وسحبوها من الخدمة في العام 2003 ،حاليا يتبع القحاته في المجلس المركزي للحرية والتغيير ذات النهج وذات الممارسة، فجمعيهم وغيرهم يعلم أن اتفاقهم الإطاري فاشل وانه لا جدوى منه وأنهم يغالطون الواقع وأن لا مستقبل يرجي مما يقومون به، بل في حقيقة الأمر سيراكم عليهم خسائر وتكاليف سياسية باهظة الثمن ربما سيصعب عليهم تعويضها مستقبلا، ولكنهم علي أي حال مستمرون في زيادة خسائرهم وتكاليفهم ــ وهذا الشبل من ذاك الأسد ــ فسياسة مراكمة الخسائر والعبط اللاطائل منه سلوك بشري ينم عن عنجهية وركوب رأس وحماقة تثير السخرية عند الآخرين كما سخر العالم من الكونكورد ورفض شرائها ، تقبع طائرات الكونكورد الآن في معارض أوروبية مختلفة يتفرج عليها الزائرين ويلتقطون الصور التذكارية معها كواحدة من التجارب الإنسانية الغبية الفاشلة التي جسدت العبط والعنجهية الفارغة وأفضت إلي خسائر مالية ضخمة لم يكن ثمة داع لها. يلاحظ أيضا أن طائرة الكونكورد اتسمت بدويّ و أزيز مزعج جدا ومخيف نتيجة لطبيعة محركاتها وقد أثار ذلك الكثير من الاعتراضات والاحتجاجات من المواطنين في انجلترا وفرنسا و أمريكا، وها نحن الآن نواجه أصوات متعالية وزعيق وصياح من أصحاب الإطاري. ولو كان الضجيج ينتج نجاحا لنجحت الكونكورد. ومثلما تم ركن الكونكورد بعد خسائر ضخمة وارتاح سكان لندن باريس وواشنطن و نيويورك من دوىّ محركاتها، اقترح علي أصحاب الإطاري تغليفه بصورة محترمة ووضعه في دار الوثائق المركزية للذكرى والتاريخ حتى يرتاح السودانيون من هذا الضجيج الخاسر!