مقالات الرأي

لعبة البرهان (6)

دون شك أن السر الذي كشفه الشيخ البوطي يرحمه الله في معسكر المرخيات كان سببا مباشرا في قتل الشهيد باسل الأسد إذ لا يستقيم عقلا ان تتحول سوريا إلى دولة إسلامية الا على يد رئيسها ومن غير المامل ان يحكمها شخص آخر غير الشهيد باسل الذي اعده والده لتلك المهمه.
لكن كانت هناك مؤشرات تدل على أن حافظ الأسد نفسه قد علم بتوجه ابنه الإسلامي إذ سمعت من بعض الدعاة السودانيين في تلك الأيام ان هنالك انفراجه فيما يتعلق بأمر الدعوة في سوريا وانه لم يعد هناك تشديدا عليهم كما كان في السابق الا ان الامر لم يستمر كثيرا وما ان قتل الشهيد باسل حتى عادت سوريا إلى علمانيتها وبعثيتها التي بنيت على معاداة الإسلام وان يكون البعث هو دين الأمة الوحيد والجديد لذلك ابتدع لهم مؤسس البعث النصراني ظاهريا والماسوني في الخفاء ميشيل عفلق ابتدع شعار أمة عربية واحده ذات رساله خالده وكذلك كان ميشيل عفلق يستدرج العرب إلى دينه الجديد بدغدغة مشاعرهم والتلاعب بعواطفهم بقوله كان محمدا كل العرب فاليكن كل العرب محمداً.
وهذا الشعار المخادع يفرغ الإسلام من مضمونه ويجعل منه مجرد فكره ارضيه ادت إلى توحيد العرب وليس رسالة سماوية للناس كافه وخاتمة الرسالات. إذن فالبعث ليس إلا فكرة صهيونية نفذت على يد ميشيل عفلق وانساق خلفها ضعاف الإيمان وكل من كان لديه استعداد للتخلي عن دينه الحق ويتعلق بكفر الفكر البعثي والذي يصادم الإسلام في كل شئ ولا يتفق معه في اي شئ.
وكذلك يعد الفكر البعثي افضل خادم لإسرائيل لانه يعمل على إشعال الفتن داخل جميع الدول العربية إذ لا تخلو دولة عربية من قوميات أخرى من غير العرب ومن المؤكد أن هؤلاء لن يقبلوا بهذا الفكر العنصري الذي يقصيهم ويحولهم من مواطنين اصيلين إلى مجرد كيانات تقيم في دولة العرب وبهذا تتفجر أزمات الهوية.
البعض ربما يقول ان الفكر البعثي المنحرف لم يحكم سوى دولتين فقط وهما سوريا والعراق ولكن يجب أن نعلم ان كل فكر ضال يؤدي إلى تشتيت المسلمين يوفرون له الظروف المناسبة لنشره حتى وإن لم تعتنق الشعوب ذلك الفكر فهو يفرض عليها بشكل من الأشكال لذلك قام الانجليز في زمن الاستعمار بإنشاء جامعة الدول العربية وهذه تعد أكبر صنم عروبي زرعه المستعمر في بلاد المسلمين ومن خلاله تفرض العروبه على من قبل بفكر البعث ومن لم يقبله. وجعلوا مقرها مصر والتي كان يحكمها عبدالناصر بفكر عروبي أيضا ولئن كان وصول عبدالناصر (وقد كان أيضا عضوا في جماعة الإخوان المسلمين) وان كان وصوله إلى رئاسة مصر جاء بعد تأسيس الجامعه بسنوات الا ان من صنعوا كل المشهد كان يعدون عبدالناصر للعب هذا الدور والحق ان ما فعله عبدالناصر بالدول الإسلامية من اضرار لم يفعله كل اعدائها. اتوقف هنا وأعود إلى عبدالناصر لا حقا. وبالرجوع إلى سوريا وبمقتل الشهيد باسل حققت إسرائيل هدفا مهما في سبيل امنها القومي إذ يقوم ذلك الأمن في الأساس على دول جوار تكون حكوماتها خاضعه بالكامل لإسرائيل.
حقق قتل الشهيد باسل المعادلة المطلوبة للامن القومي الإسرائيلي وكذلك لم تنس المخابرات للشيخ البوطي انه كان يعلم بذلك السر الكبير والخطير فعاقبته بعد حين عند انطلاقة الثورة السورية وقتل بطريقة وحشية حيث وضعت له قنبلة تحت منضدة كانت أمامه حين كان يلقي درسا بالمسجد فانفجرت القنبلة ولكن يبدو أن شئيا قد اعاق الانفجار فلم يمت الشيخ البوطي فقام احد عناصر المخابرات بالاسراع تجاه الشيخ واخذ براسه واصابه برصاصة فيه. والغريب في الأمر أن كل ذلك كان مصورا ويبث مباشرة على الهواء لذا شاهد اغتيال الشيخ البوطي الملاين حول العالم.
ونعود لعبدالناصر والذي كان وجه الشبه بينه وبين الشهيد باسل الأسد انتماء كليهما لجماعة الإخوان المسلمين. ووقفه صغيره هنا مع هذه الجماعة التي كان ومازال لها تأثير كبير على مجريات الأحداث في العالم (تصنف جماعة الإخوان المسلمين عند البعض على أنها أكبر منظمة موحدة يراسها شخص واحدفي العالم بعد الأمم المتحدة اذ تنتشر الجماعه في أربعة وثمانون بلدا حول العالم ولا تضاهيها جهة أخرى في هذا الانتشار غير الأمم المتحدة) و هذه الجماعة قد خرج منها الكثير من القاده في مختلف المجالات وعلى سبيل المثال نجد ان القائد الفلسطيني ياسر عرفات وبعضا ممن اسسوا حركة فتح (منظمة التحرير الفلسطينيه) كانوا اعضاءا في جماعة الإخوان المسلمين فقد انضم ياسر عرفات للجماعة عندما كان يدرس في كلية الهندسة قسم الجيولوجيا بجامعة الملك فؤاد (جامعة القاهرة الان) وكذلك الكثير من القادة في العالم الإسلامي كانوا اعضاءا في هذه الجماعة سرا ولم يعرف عنهم علاقتهم بهذه الجماعه
. ونموذج اخر وهذه المره من الدعاة وهو الشيخ محمد متولي الشعراوي وهو قد كان من المقربين من الأمام الشهيد حسن البنا وهو من كتب بيده اول بيان اصدرته الجماعة في تاريخها ولكن لبعض الخلافات قد غادر الجماعة وكذلك كان منهم الشيخ محمد الغزالي وكذلك شقيقته الداعيه المعروفه زينب الغزالي (زينب بنت الشاطئ)وقد كانت من الاخوان ولم تنسلخ عنهم حتى وفاتها وليس صحيحا مايشاع حولها مؤخرا من انها قد انسلخت من الجماعه وذهب البعض الى انها لم تكن عضوا بالجماعه اصلا وهؤلاء يصادمون حقائق تاريخية راسخة وموثقه لكن شقيقها محمد والذي كان رفيقا للأمام الشهيد حسن البنا قد غادر الجماعة بسبب تصرف بدر من بعض شباب الجماعة في حقه لم يقبله وكذلك كان منهم الداعية الحالي عمرو خالد وهذه نماذج محدوده لقائمة تطول كثيرا. إذن
الفرق الأهم بين عبدالناصر وباسل ان ناصر كان في حاجه إلى حاضنه سياسية حين ينفذ انقلابه الذي خططت له المخابرات الأمريكية اما الشهيد باسل لم يكن في حاجة لدعم احد فهو يعلم انه من سيخلف والده على كرسي الرئاسة لذلك نحسب ان انتمائه كان صادقا لوجه الله ونحسبه كذلك شهيدا في سبيل الله.
اما عبدالناصر لم يكن لديه العمق السياسي الذي يجعله يوازن بين من يشغلون الساحة السياسية في تلك الفتره(كان في بداية الثلاثينات من عمره) اذ كان حزب الوفد هو الأكبر على الساحة والمسيطر على المشهد السياسي انذاك ويوصف دائما بأنه حزب الاغلبية وكذلك كان حزب الباشوات والمحافظين لذا ما كان ليقبل بعبد الناصر فمن ناحيه لن يقبل به حزب لديه أكبر قاعده جماهيرية ويفوز في أغلب الانتخابات ويصل إلى السلطه ديمقراطيا فهو ليس في حاجه الى ضباط يقومون بانقلاب عسكري من أجل ايصاله للسطه عبر القوة العسكرية .
ومن ناحية أخرى فإن المخابرات الأمريكية خططت لعبدالناصر ان يقدم هؤلاء البشوات ككبش فداء للشعب لكي يستميل قلوبهم لصالحه وقد فعل هذا عندما صادر اراضي البشوات ووزعها بواقع ثلاثة إلى خمسة افدنه على الفلاحين فيما عرف بالاصلاح الزراعي وقتها فكسب قلوب البسطاء بالفعل ودمر الاقتصاد المصري إلى يومنا هذا.
في الحلقة المقبله ان شاء الله نوضح كيف كان عبد الناصر عميل إسرائيل الأول.
يتبع…

ابراهيم العرضي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Show Buttons
Hide Buttons