نوروز في إيران: فرحة عامٍ آتٍ ممزوجة بمرارة العقوبات وكوفيد-19
يستعد الإيرانيون هذا الأسبوع لإحياء عيد نوروز، فيما يترافق الاحتفال برأس السنة الفارسية المتجذر في ثقافة تعود لقرون طويلة، مجددا مع مرارة العقوبات الاقتصادية وجائحة كوفيد-19.
ويبدأ العام الإيراني الجديد مع دخول فصل الربيع، وسيتبادل الإيرانيون التمنيات وعبارة “نوروز مبارك” اعتبارا من الساعة الأولى وسبع دقائق و28 ثانية يوم السبت 20 آذار/مارس.
وكما عادتها في كل عام، تعيش طهران منذ أيام على إيقاع زحمة السير الخانقة التي يسببها إقبال سكانها على المتاجر استعدادا للاحتفال بالعيد وإجازته المطولة التي تعد الأبرز في روزنامتهم السنوية.
ويقبل الرواد على بازار تجريش في شمال العاصمة، وإن بأعداد أقل من الأعوام الماضية، للتبضع في متاجره وساحاته المفتوحة وأزقته، ومن الباعة الموزعين في مختلف أرجائه.
ولا يخفي العديد من الإيرانيين بعض المرارة جراء الظروف. حتى وجه “حجي فيروز”، الشخصية الفولكلورية ذات الزي الأسود والأحمر التي تظهر في الشوارع قبيل العيد ناشرة الفرح بالرقص على إيقاع الدف، لا يرسم ابتسامته المعهودة هذه السنة.
وتقول مينا، الممرضة البالغة من العمر 48 عاما، “الاقبال يغش”، مضيفة “الناس متعلقون بالتقاليد (…) لكنهم يكتفون بشراء أغراض رمزية صغيرة للعام الجديد. ليست لديهم الإمكانات للتمتع بسبزي بلو (أرز بالأعشاب) مع السمك”، وهو طبق تقليدي خلال نوروز.
وتأسف مينا لأنه هذا العام “سيغيب الفستق والحلويات والفاكهة (لتقديمها الى الزوار) في المنزل”، مشيرة الى أن الزيارات نفسها ستكون محدودة بسبب الوباء. “نريد فقط احياء هذا التقليد، كل في بيته”.
– “حرقة كبيرة” –
وتعدّ الجمهورية الإسلامية أكثر الدول تأثرا بالأزمة الصحية الناتجة عن فيروس كورونا في الشرق الأوسط، وهي سجلت رسميا وفاة أكثر من 61 ألف و500 شخص بسببه، منذ الإعلان عن الحالات الأولى في شباط/فبراير 2020.
وفي العام الماضي، ترافق نوروز، العيد الذي عادة ما يكون مرادفا للفرح والتجديد، كذلك مع وطأة الأزمة الصحية الناشئة، وتأثيرات العقوبات التي أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرضها على الجمهورية الإسلامية اعتبارا من سنة 2018 بعد انسحابه من الاتفاق النووي.
وانعكست هذه العقوبات سلبا على إيران، وتسببت بانكماش اقتصادي، علما بأن المسؤولين أكدوا مؤخرا أن البلاد بدأت تخرج من حلقة التأثيرات هذه في الأشهر القليلة الماضية.
لكن هذه التصريحات نادرا ما تلقى آذانا صاغية في الشارع، إذ إن التراجع الكبير في قيمة العملة المحلية (الريال)، تتسبب بتضخم وارتفاع هائل في الأسعار.
وقبل نحو ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية، يوجّه بعض الإيرانيين انتقادات علنية الى حكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني.
ويقول اختصاصي العلاج الفيزيائي علي ثقفي (36 عاما) لفرانس برس “برأيي الأشخاص المكلفون إدارة البلاد لم يعملوا بشكل كافٍ، والوضع أصبح مؤسفا للجميع”.
ومنتصف آذار/مارس، رأى وزير الداخلي عبد الرضا رحماني فضلي أن لفيروس كورونا تبعات “هائلة” على الوضع الاقتصادي، مؤكدا أن “أكثر من مليون شخص” خسروا وظائفهم بسبب الجائحة.
وفاقمت الأزمة الصحية المشكلات الاجتماعية التي زادها سوءا الانكماش الاقتصادي.
وفي الأيام الماضية، نشر العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الجمهورية الإسلامية، صورا تظهر تشكل صفوف طويلة في طهران ومدن أخرى، خارج المتاجر التي تبيع مواد غذائية مدعومة من الحكومة.
وقال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي في الخامس من آذار/مارس “للأسف، الأوضاع المعيشية للناس ليست جيدة اليوم. في هذا حرقة كبيرة لنا. غلاء الأسعار كبير”.
وأضاف، وفق نص الكلمة التي نشرها موقعه الإلكتروني، “في ليلة العيد، ثمن الفاكهة ونحوها غالٍ جداً. الفاكهة متوافرة لكن الأسعار مرتفعة للغاية”.
– “عطر الحياة” –
ويقول فرهاد (44 عاما)، وهو فنان مقيم في كرمنشاه بغرب إيران، “هذا الصباح، رأيت صفوفا طويلة من أجل شراء مواد غذائية”.
ويضيف في اتصال هاتفي “متاجر الحرفيين والهدايا والتذكارات في سبات”، علما بأن نوروز يشكل عادة مناسبة لتبادل الهدايا.
وقبل أزمة كوفيد-19، كانت إجازة العيد التي تمتد لزهاء أسبوعين، تشكل فرصة للإيرانيين للتنقل في مختلف أنحاء البلاد للاجتماع مع أفراد العائلة والأصدقاء، أو لأغراض سياحية.
وفي ظل الوضع الصحي الراهن، لم تمنع السلطات التنقل بين المدن بشكل كامل كما فعلت العام الماضي، لكنها حضت على تفاديه قدر الإمكان، علما بأن بعض المناطق المصنفة في الخانة “الحمراء” على مقياس الوضع الوبائي، هي في شبه عزلة تقريبا ويقتصر الدخول إليها والخروج منها على سكانها.
الى ذلك، يحد الوضع الاقتصادي بشكل كبير من قدرة كثيرين على السفر داخل البلاد حتى.
ويقول كمال (40 عاما)، التاجر في أصفهان (وسط)، ثالث كبرى مدن إيران وإحدى أبرز أماكنها السياحية، لفرانس برس “رأيت بعض السياح وزبائن قرب الفنادق والمطاعم، لكن بأعداد قليلة، ولا تقارن بالأعوام السابقة”.
على رغم ذلك، تقول روجا، أستاذة اللغة الفرنسية في المدينة ذاتها، “نشم عطر نوروز والحياة، على عكس العام الماضي حيث كان كل شيء ميتا”.