ما المقلق هذه المرة؟ 200 ألف قتيل ومشرد.. 5 أسئلة وأجوبة عن الصراع المتجدد بدارفور
تسارع أحداث العنف في دارفور يثير القلق، ولا سيما مع انتشار السلاح، حيث تشير تقديرات حكومية إلى أن 3 ملايين قطعة سلاح متوفرة في الإقليم الذي يقدّر سكانه بثلث عدد سكان السودان البالغ نحو 47 مليون نسمة.
وأحداث “الكرينك” ليست سوى جزء من موجة عنف شديدة متجددة اجتاحت 4 ولايات من ولايات إقليم دارفور الخمس، منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وخلّفت نحو 200 قتيل وشردت الآلاف من منازلهم، بل إن بعضهم عبر الحدود هربا إلى دولة تشاد المجاورة.
وهذه أكثر أحداث الإقليم عُنفا منذ توقيع اتفاق السلام (اتفاق جوبا) بين الحكومة الانتقالية وعدد من حركات دارفور المتمردة أكتوبر/تشرين الأول 2020 في جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان.
وهي الاتفاقية التي كان يُرجى منها جلب الاستقرار والأمن وعودة نحو 2.5 مليون نازح ولاجئ فرّوا من ديارهم، جرّاء النزاع الذي اندلع في الإقليم عام 2003 وخلف 300 ألف قتيل، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
ما المقلق هذه المرة؟
وتثير هذه الموجة مخاوف من انزلاق الإقليم إلى موجة عنف أشبه بالتي شهدها بين 2003 و2005، خاصة لانتشار السلاح بصورة أكبر، إلى جانب انضمام أعداد من سكان الإقليم إلى قوات الدعم السريع التي نشأت في ردة فعل على التمرد بالإقليم، ويغلب على تكوينها العنصر العربي.
كما أن أعضاء الحركات التي كانت تقاتل الحكومة عادوا إلى مناطق سكن المدنيين وأسلحتهم بأيديهم، ومعظم هؤلاء من مجموعات تنتمي لقبائل أفريقية.
وقال بيان أصدره “تجمّع النازحين واللاجئين” في السادس من ديسمبر/كانون الأول الجاري إن “الاعتداءات والهجمات المتكررة في هذا التوقيت ليست وليدة الصدفة، وإنما هي مخطط إستراتيجي وممنهج منذ 3 عقود”.
وقال عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان، وأحد الموقعين على اتفاق جوبا، الهادي إدريس -بينما يتفقد، السبت الماضي في مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، معسكرا لقوات تدخل سريع التي أنشأتها الحكومة للسيطرة على العنف في الإقليم- إن على السلطات في السودان “مواجهة هذا التحدي بنوع من المسؤولية والشجاعة حتى لا تدخل دارفور في مشاكل كبيرة”.
ما الذي جرى وأين؟
بدأت الأحداث في منطقة جبل مون (50 كيلومترا شمال مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور)، وقال والي غربي الإقليم خميس عبد الله أبكر -للجزيرة نت- إن “الأحداث وقعت عندما هاجمت مجموعة متفلّتة من القبائل العربية قبيلة (المسيرية الجبل) في المنطقة، وأوقعت قتلى وجرحى” وبلغ عددهم 43 قتيلا، وفقا لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.
ثم تجددت الاشتباكات مرة أخرى صباح السابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، ولقي 25 شخصا مصرعهم، وفقا للجنة الأطباء السودانية.
و”مون” منطقة بجبل بركاني يمتد بمحاذاة الحدود السودانية التشادية، وتسكنها قبيلة “المسيرية الجبل” منذ مئات السنين. وبسبب طبيعتها الوعرة، تُعتبر منطقة حصينة ويصعب الدخول إليها إلا من جهة الجنوب، مما جعلها واحدة من المناطق التي كثر فيها نشاط الحركات المسلحة خلال سنوات الحرب.
ويعتقد أهالي المنطقة أن الاشتباكات تستهدف تهجيرهم للحصول على ثروات كامنة فيها، إذ يقول آدم عيسى -أحد سكان المنطقة- للجزيرة نت إن “الهجوم مخطط له من جهات تريد إخراجنا للتنقيب عن الذهب”.
وليست هناك جهة رسمية تؤكد حديث عيسى، ولكن المنطقة تشهد نشاط تعدين تقليديا مشابها لأنشطة يقوم بها أفراد في كل ولايات السودان خلال العقد الأخير.
ووفقا للأمم المتحدة، فإن 9 آلاف شخص فرّوا من منازلهم بسبب أحداث “جبل مون”. وسرعان ما اشتعل العنف في منطقة “كرينك” (10 كيلومترات شرق الجنينة عاصمة غرب دارفور) وخلّف 50 قتيلا.
وتوالت أحداث العنف في ولايات شمال دارفور وجنوبها ووسطها. وقال المختص في الشأن الدارفوري، عبد المنعم مادبو -للجزيرة نت- إن “الاشتباكات هنا بين الرعاة والمزارعين متزامنة مع فترة الحصاد، ومع تحرّك الرعاة بحيواناتهم من الشمال إلى الجنوب ودخول الحيوانات إلى المناطق الزراعية، حيث تقع المشكلات ويتسبب انتشار السلاح الناري بوقوع ضحايا من الطرفين”.
هل من جديد؟
وفي حين كان من المفترض أن يدخل إقليم دارفور عهدا جديدا بتوقيع اتفاق جوبا، إلا أن خطاب الكراهية تسلل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين مكوناته المختلفة، وتضمن بث مقاطع فيديو لمسلحين يدعون إلى مهاجمة أطراف “معادية”.
وأكد مادبو أن خطاب الكراهية المنتشر عبر مواقع التواصل أصبح أحد أسباب تأجيج النزاع بعد أن خلق توترا بين قبائل “المساليت” والعرب غربي دارفور، خاصة منذ عام 2019.
ما تاريخ الصراع في دارفور؟
تاريخيا، كان بدارفور 12 مسارا لرحلات الرعي السنوية، سواء في موسم الجفاف جنوبا أو في موسم الأمطار شمالا. وهذه المسارات خططت عام 1956 وكان متعارفا عليها بين الأفراد وقيادات القبائل.
وفي تسعينيات القرن الماضي، أخذت المساحات الزراعية تتوسع وأطبقت على عدد من هذه مسارات الرعي، وصار الطريق مغلقا أمام المواشي وأصحابها.
يقول المختص مادبو إن “أعداد الحيوانات زادت بصورة كبيرة كما أن المزارعين توسعوا على حساب المسارات، وأثّرت التغييرات المناخية وموجات الجفاف التي ضربت الإقليم في تقليص مساحات الزراعة وتذبذب معدلات الأمطار واختلاف مواقيت هطولها”.
لكن الباحث في قضايا الأراضي، أحمد آدم، يعلق الجرس في عنق آخر، إذ يقول للجزيرة نت إن “المشكلة الكبيرة هي ملكية الأرض؛ فمنذ مئات السنين أصبحت ديار كل مجموعة سكانية معروفة، ولكن منذ التسعينيات ومع تصاعد النزاع في الإقليم، جاء آخرون وسكنوا مناطق يُعرف تاريخيا من هم أهلها”.
وظلت قضية ملكية الأرض بندا ثابتا في التفاوض بين الحكومة والمتمردين، وأُفرد لها جزء خاص باتفاق جوبا يقضي بإعادة النازحين والمهجّرين إلى قراهم، وإنشاء مفوضية خاصة بالأراضي. لكن مضى على توقيع الاتفاق أكثر من عام ولم تظهر المفوضية.
إلى أين يمضي الإقليم؟
تسارع أحداث العنف في دارفور يثير القلق، ولا سيما مع انتشار السلاح، حيث تشير تقديرات حكومية إلى أن 3 ملايين قطعة سلاح متوفرة في الإقليم الذي يشكل سكانه ثلث السودان المقدر بنحو 47 مليون نسمة.
ويعزز مادبو ذلك بقوله “الآن على الأرض مكوّنان مسلحان كل منهما يناصر قبيلته، وهما الدعم السريع (المجموعات العربية) وقوات الحركات (المجموعات الأفريقية)”، مضيفا أن الوضع خطير ويُنذر بالأسوأ إذا لم تتم السيطرة عليه.