جريدة لندنية : تكتل جديد يعرقل محاولات تسوية الأزمة في السودان ..تيار ثالث لتقليص المناورة السياسية أمام المؤسسة العسكرية
مصادر مقربة من الجيش تقول إن مشروع التسوية الذي تقوده الآلية الثلاثية لم يعد خياراً مفضلا
يدخل السودان دائرة جديدة من التكتلات التي قد تؤدي إلى بعثرة المساعي الراغبة في إنهاء انسداد مستمر منذ الانقلاب على السلطة قبل عام تقريبًا، بعد أن تمت عرقلة التوصّل إلى تسوية بين المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير من جهة، والمكون العسكري من جهة أخرى، مع أنه كان من المتوقع الإعلان عن وثيقة نهائية بينهما ترتب أوضاع ما تبقى من المرحلة الانتقالية قريبا.
الخرطوم – وقّعت قوى سياسية ومكونات اجتماعية في السودان أطلقت على نفسها اسم “قوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية” على اتفاق يقضي بالالتزام بالوثيقة الدستورية التي صدرت عام 2019 وتعديل عام 2020 كأساس لحل الأزمة، مع إجراء حزمة من التعديلات عليها لقطع الطريق على وثيقة نقابة المحامين التي توافق عليها تيار عريض من المدنيين ودعمها تيار قوى داخل المكون العسكري
وضم الائتلاف الجديد مجموعة التوافق الوطني التي أحدثت أول انشقاق في التحالف الحكومي السابق، وتتشكل من حركات مسلحة وقعت على اتفاق جوبا للسلام وعدد آخر من الأحزاب الصغيرة، بالإضافة إلى حزب البعث السوداني، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي دخل لأول مرة في تحالف لديه قاعدة ثورية بعد أن كان متحالفًا مع نظام الرئيس السابق عمر البشير حتى رحيله عن السلطة.
فترة انتقالية جديدة
الواثق البرير: التكتل الجديد يضر بمحاولات الوصول إلى التسوية
وتضمنت التعديلات التي اقترحها الائتلاف الجديد على الوثيقة الدستورية الخميس حذف اسم “الحرية والتغيير” الائتلاف الحاكم السابق والاستعاضة عنه بـ”القوى السياسية والمدنية وحركات الكفاح المسلح وأطراف العملية السلمية ولجان المقاومة”، وحذف اسم مجلس السيادة الانتقالي واستبداله بـ”السلطة السيادية” وتتولى المهام السيادية في البلاد على أن تبدأ الفترة الانتقالية من تاريخ التوقيع على الوثيقة.
ومنحت هذه التعديلات سلطات تعيين رئيس الوزراء ومجلس الوزراء إلى السلطة السيادية، واقترحت تشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة برئاسة القائد العام للجيش، وتمثل فيه الأجهزة النظامية الأخرى ويتولى مهام حماية البلاد والالتزام بالوثيقة الدستورية ودعم التحول الديمقراطي فضلاً عن مجلس للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء، ويمثل فيه أيضاً قائد الجيش والحركات المسلحة وجهاز المخابرات.
ويستهدف الائتلاف بتركيبته المعلن عنها دعم تيار قوي داخل المكون العسكري لا يسعى للوصول إلى اتفاق سياسي يبعده عن هياكل السلطة، وتعبّر الاستعانة بأحد أبرز الأحزاب التاريخية التي لديها شعبية عن أن القاعدة الداعمة للتيار سوف تتسع، وكذلك غياب التوافق بين المجلس المركزي والقوى اليسارية في مقدمتها الحزب الشيوعي ولجان المقاومة ما يجعل هناك ثغرات عديدة يمكن النفاد منها لوقف العملية السياسية.
وقد يحدث التكتل الجديد حالة من التوازن بين المكونات المدنية الساعية لإنهاء الانقلاب وإبعاد الجيش عن هياكل السلطة، وبين مكونات مدنية أخرى تتحالف مع قوى فاعلة من العسكريين لديهم القدرة على التحكم في مسارات الحل.
وبعث المكون العسكري والأطراف الداعمة له برسائل للتنظيمات الثورية بأنها تشكل القوى الأكبر على الساحة، وأرسلت إشارات خارجية للمجتمع الدولي مفادها أن الحل ليس بيد المدنيين وإن كانوا يعبرون عن أكثرية رافضة للانقلاب في الشارع.
إعاقة التحول المدني
التعديلات تخوّل للسلطة السيادية تعيين رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، مع اقتراح تشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة
التعديلات تخوّل للسلطة السيادية تعيين رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، مع اقتراح تشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة
وقال القيادي بحزب الأمة وقوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” الواثق البرير إن التكتل الجديد يضر بمحاولات الوصول إلى التسوية ويضر بالعملية السياسية برمتها في السودان، وأن خلق كتلة داعمة لانقلاب أكتوبر يعيق التحول المدني.
وأشار لـ”العرب” إلى أن حزب الأمة القومي ناقش في مصر إمكانية توظيف الأحزاب التاريخية لدعم التحول، لكن التيار الذي يقوده جعفر الميرغني داخل الحزب الاتحادي الأصل اختار أن يزحف في طريق معاكس.
ويتوقع متابعون أن يكون قرار الحزب الاتحادي بالمشاركة في التكتل الجديد بمثابة انشقاق على رأس هرم الحزب بعد أن نشبت خلافات مؤخراً حيال وثيقة الدستور الانتقالي، حيث ساند رئيس قطاع التنظيم الحسن الميرغني والأمين السياسي إبراهيم الميرغني الدستور الانتقالي الذي أعده محامون موالون للحرية والتغيير، بينما يتحالف نائب رئيس الحزب جعفر الميرغني مع قوى التوافق الوطني التي دعمت الانقلاب.
وتساءل البرير كيف يدعم أحد التيارات السياسية، في إشارة إلى الحزب الاتحادي الأصل، وثيقة العام 2019 التي أقصته من المشهد السياسي في الفترة الانتقالية باعتباره كان مشاركاً في تحالف مع نظام البشير حتى سقوطه؟ ورأى أن الموقف يعبر عن وجود مصالح غير مرئية بين المشاركين في التكتل الجديد بعيداً عن الرغبة في الوصول إلى حل سياسي.
وتعبر الخطوة الأخيرة عن ضيق مساحات المناورة أمام الجيش، لأن خلق ائتلافات داعمة للانقلاب تمت تجربتها في “الميثاق الوطني” وفشلت، وليس من المتوقع إحداث تغيير في موازين القوى وسط قناعة غالبية الشعب بضرورة إنهاء الانقلاب.
لورانس مارشال: لا وجود لوثيقة جديدة يوقع عليها المكونان العسكري والمدني
وذهب سياسيون إلى التأكيد على أن مساحات المراوغة بين المدنيين والعسكريين محدودة للغاية والتفكك الإثني والقبلي وحالة السيولة السياسية والأمنية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد قد تقود إلى انفجار داخلي ليس في صالح أحد.
وهؤلاء على قناعة بأن تكتل الحرية والتغيير الجديد جاء بعيدا عن المكون العسكري، لكن تم تركه يأخذ مساره في التفاعل مع الأزمة الراهنة لأنه يحقق مسار تيار رئيسي يقوده الجيش يرفض التنازل عن السلطة في ظل الأوضاع الهشة الحالية.
وروّجت مصادر مقربة من الجيش أن مشروع التسوية الذي تقوده الآلية الثلاثية التي تضم بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد، وترعاه اللجنة الرباعية بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، لم يعد خياراً مفضلا للمكون العسكري والقوى المدنية، بسبب زيادة وتيرة التباين بين الأطراف المعنية وعدم وجود أرضية صلبة تقود إلى توافق سياسي ثم تسوية شاملة.
ونفت الناطقة باسم بعثة “يونيتامس” فلورانس مارشال في تصريحات إعلامية صحة أنباء ترددت حول وضع البعثة الأممية لوثيقة نهائية للحل والتفاهم بين المكونين العسكري والمدني، قائلة “إن الحديث عن وثيقة يوقعان عليها غير صحيح”.
وأوضح البرير لـ”العرب” أن ما تسميه أطراف سودانية بـ”التسوية السياسية” يستهدف اختصار العملية كونها اتفاقا ثنائيا، وهو ما رفضه حزب الأمة من قبل، مشيراً إلى أن المجلس المركزي وصل مع المكون العسكري إلى شبه تفاهم سوف يثمر عن اتفاق دستوري على قاعدة مشروع نقابة المحامين ويؤدي إلى اتفاق سياسي شامل.
ومن أبرز بنود مشروع الدستور الجديد الذي شاركت فيه عدة قوى سياسية، تشكيل حكومة مدنية من كفاءات وطنية ومجلس سيادة تحت سيطرة المدنيين، والعمل على إصلاح القوات النظامية، وإلغاء كل إجراءات أكتوبر من العام الماضي.