البرهان يخسر معركة استمالة القبائل في السودان
أصبحت معركة استمالة القبائل في السودان واحدة من المعارك الجانبية التي يمكن أن تؤثر على مجريات الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث يحاول كل طرف تعزيز نفوذه في الولايات المختلفة عبر هذه الأداة ولم تعد مقتصرة على إقليم دارفور الذي يمثل حاضنة اجتماعية واقتصادية مهمة لقوات الدعم السريع.
وقد وجه إعلان قبيلتي الشناتلة والفلاتة في كردفان تأييدهما لقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) ضربة أخرى قوية لقائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الذي رعت مخابراته سابقا صلحا بين القبيلتين.
وحمل فيديو انتشر الأربعاء على مواقع التواصل الاجتماعي حول هذه الخطوة العلنية مجموعة من الرسائل السياسية المهمة، أبرزها أن نفوذ قوات الدعم السريع لا يقتصر على إقليم دارفور، وأن الأدبيات التي يتبناها قائدها تتجاوز الحدود المناطقية.
كما أن حميدتي لا يفرق بين قبائل عربية وأخرى أفريقية، والتي بموجبها يمكن تجنب العودة إلى مرارات الحرب الأهلية التي اشتعلت في دارفور عندما اعتمد نظام الرئيس السابق عمر البشير على البعد العرقي فيها، ما أحدث اقتتالا عنيفا بين القبائل المختلفة.
وتريد بقايا النظام السابق في صفوف الجيش استدعاء معارك سابقة وإيقاظ فتن اجتماعية لإحراج قوات الدعم السريع وتوريط قائدها في حرب أهلية قد تبعده عن الخرطوم.
ويقول مراقبون إن قيادة الدعم السريع تعمل على النأي عن هذه الإشكالية التي يحاول الجنرال البرهان ورفاقه تغذيتها من خلال دعاية سوداء تتحدث عن انحياز قوات الدعم السريع للقبائل العربية على حساب نظيرتها الأفريقية، بغرض خلق عراقيل اجتماعية أمامها في دارفور وغيره من الأقاليم، ومنع تزايد خطوات التأييد التي أعلنتها قبائل متعددة.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن انتباه حميدتي إلى هذا الفخ مبكرا جنبه الوقوع فيه، ومنع غالبية الحركات المسلحة التي تنتمي إلى قبائل أفريقية من إعلان انحيازها للجيش ووقوفها ضد قوات الدعم السريع؛ فلا تزال هذه الحركات، التي وقّعت اتفاق جوبا للسلام مع الخرطوم ومن المفترض أنها متحالفة مع مجلس السيادة الذي يرأسه البرهان، تتخذ موقفا وسطا، ولم تنجر إلى الخطاب العنصري الذي تروج له فلول البشير.
ولئن اتخذت الكثير من القبائل العربية موقفا مؤيدا لحميدتي فإن هذا لا يعني أنه يوافق على إعادة شبح الحرب الأهلية إلى دارفور بين القبائل العربية والأفريقية، وهو يدرك أن الوقوع في ذلك معناه القضاء على مشروعه في تسليم السلطة إلى حكومة مدنية ودعم طريق التحول الديمقراطي.
ومثلت اجتماعات رعتها تشاد وضمت العديد من الحركات المسلحة وقوى أهلية واجتماعية وشخصيات بارزة، من بينها القائد الثاني في قوات الدعم السريع الفريق عبدالرحيم دقلو، في أنجمينا خلال يوليو الماضي، نقلة نوعية لتحاشي تكرار الحروب القبلية داخل إقليم دارفور، وإمكانية امتدادها إلى الجارة تشاد التي تضم تنوعا قبليا لا يقل حدة عن دارفور سيقود تفجيره إلى تصاعد حدة الصراعات في المنطقة.
وقال القيادي في حركة جيش تحرير السودان آدم والي لـ”العرب” إن “انتماء القبائل إلى قوات الدعم السريع أمر طبيعي، باعتبار أن معظم المكونات داخلها ونواتها الرئيسية تتشكلان منها، وتغليب البعد القبلي في الصراع الدائر حاليا بإقليم دارفور يجعل القبائل تسارع إلى الإعلان عن انتماءاتها الحقيقية بعد أن حافظت على قدر كبير من الحياد”.
وأوضح والي أن الجيش السوداني لم ينجح في استمالة القبائل إليه، وبدأ يعتمد بشكل رئيسي على من لديهم رواسب سلبية وضغائن تجاه قوات الدعم السريع، ويحاول خلق حاضنة أهلية قوية له في دارفور بعد أن شهدت الأيام الماضية اشتباكات على أطراف وسط وجنوب دارفور، وهي مناطق تسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء كبيرة منها، ولم يعلن هؤلاء بشكل علني عن انضمامهم إلى صفوف الجيش أو مساندته.
وأشار آدم والي لـ”العرب” إلى أن “المكونات القبلية في دارفور سيكون لها دور كبير في حسم الصراع الضاري، ولقيت الدعاوى المتباينة للانضمام إلى الجيش عبر مبادرات التجنيد تجاوبا في مدن بوسط وشرق السودان، إلا أنها ضعيفة في دارفور”.
وتسعى فلول البشير لضمان عدم هزْم الجيش بهدف تفجير تناقضات تاريخية بين القبائل العربية والأفريقية في إقليم دارفور كوسيلة لشغل قوات الدعم السريع بها، ومحاولة توظيف الاقتتال الأهلي هناك في شل قدرات حميدتي العسكرية في الخرطوم، بعد أن فشل البرهان في استقطاب القبائل لمناصرته في الحرب.
وتشكل القبائل العربية في جنوب وشرق دارفور غالبية سكانية، وانضم منها مقاتلون قبليون بالفعل إلى قوات الدعم السريع الفترة الماضية، وكانت دعوة زعماء أكبر سبع قبائل عربية في جنوب دارفور خلال يوليو الماضي لافتة، وطالبوا جميع أفراد قبائلهم بالانضمام إلى الدعم السريع، وناشدوا المنخرطين في صفوف الجيش تركه.
ويزداد موقف الجيش خطورة في دارفور مع وجود العديد من المنتسبين إلى القبائل العربية في صفوفه، إذ ينتمي الكثير من ضباط الجيش إلى قبيلة الرزيقات التي ينحدر منها حميدتي، كما أن المسؤول الثاني في عمليات الجيش في نيالا جنرال ينتمي إلى قبيلة المسيرية العربية، وكذلك الرجل الثاني في عملياته بولاية شرق دارفور.
وأعلن مك قبيلة الهمج بالنيل الأزرق عبيد سليمان أبوشوتال في مايو الماضي انضمامه إلى الدعم السريع، وقال في مقطع فيديو ذاع صيته على مواقع التواصل الاجتماعي إنه سيرتدي زي قوات الدعم السريع وينزل إلى الميدان ليقاتل.
ويبتعد قائد الدعم السريع عن تبني خطاب قبائلي لتفويت الفرصة على من يريدون تحويل المعركة من تصويب الخلل الحاصل في قلب السلطة المركزية إلى معركة جانبية متجذرة، جزء منها قبائلي والآخر مناطقي، على أمل حسم المعركة الأم في العاصمة السودانية المثلثة، ومدنها: الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري.