التمكين المقصِّر للأجل .. كلاكيت ثاني مرة
( المتسببون في الانقلابات العسكرية هم السياسيون الذين أهملوا خدمات المواطن وانشغلوا بالكراسي وتقسيم السلطة ) – نائب رئيس السيادي حميدتي
هذا الاعتراف من نائب رئيس السيادي، والذي دندن حوله رئيس السيادي أيضاً، ترفضه أحزاب قحت بشدة في التصريحات، لكنها تستبطن الاعتراف به ربما أكثر منهما، يؤكد ذلك اهتجاسها الظاهر من الثورة الشعبية أو الانقلاب من الشريك العسكري أو من طرف ثالث .. فهذه الأحزاب تعلم إنها كما تمارس السواقة بالخلا للجماهير كذلك تمارسها مع القوى السياسية الأخرى، ومع الشريك العسكري والأجهزة النظامية، ولهذا يسيطر عليها إحساس اللص المعرض للضبط والعقاب في أي لحظة … عوامل كثيرة جعلت الحاكمين يستبطنون القناعة بأنهم صنعوا الظروف التي تبرر الثورة أو الانقلاب.
فالفترة الانتقالية تختلف هذه المرة عن سابقاتها في كل شئ، والاختلاف يأتي أساساً من رغبة الأحزاب الصغيرة في ( تفادي “أخطاء” الفترات الانتقالية السابقة التي انتهت إلى فوز الأحزاب التقليدية) أو كما قال الراحل فاروق أبو عيسى، وكرر السفير إبراهيم طه أيوب، وأكَّد خالد سلك ( في سياق نقد ذاتي تراجع عنه لاحقاً ) . من الاختلافات هذه المرة :
- هذا النظام القائم أتى على يد اللجنة الأمنية للنظام السابق ولولاها لما وُجِد، هذه الحقيقة تظل ثاوية – رغم إنكارها – في الوعي العميق لهذه الأحزاب، ويظل لها دورها الكبير في صناعة فوبيا الانقلابات، خاصةً إذا وُضِعت إلى جانب ما حدث من إبعاد لكل أعضاء اللجنة (عدا حميدتي)، وإلى جانب الدوس الشديد لأنصار النظام السابق بما قد يصل رأس سوطه إلى واحد أو أكثر من أعضاء اللجنة المبعَدين .
- حاجة الحكومة، بسبب فشلها، لأشد درجات الحماية من المكون العسكري والأجهزة النظامية، في مقابل رغبتها في أشد دوس ممكن لهذه الأجهزة بالقدر الذي يجعلها مضمونة تماماً لحراسة كل فاولاتها وخروجها على القواعد، إلى درجة التفكير في الانقلابات اليسارية بواسطة “شرفاء” الجيش .
- سيطرة الأحزاب متناهية الصغر على الحكومة، والتسابق الشديد على التمكين للكوادر الحزبية، وما صاحب ذلك من تراجع كبير في الأداء إلى درجة العجز عن التسيير في بعض الحالات، وهذا عجَّل بصناعة الفشل الذي كان، في الماضي، يأتي في الفترات الحزبية بعد انتهاء الفترة الانتقالية ..
- اتخاذ النظام لسياسات ومواقف لا شعبية وتفوق في سوئها تلك التي أدت إلى صغر هذه الأحزاب (التطبيع، روشتة البنك الدولي ) واكتفاء الأحزاب المسيطرة بالتحفظات غير المؤثرة ..
- تشكيل أكثر من حكومة على خلفية الفشل، وشغور بعض المواقع بسبب الخلافات ( وزارة التعليم، والي كسلا …).
- الخوف من النظام السابق إلى حد الهوس والكوابيس، والتخبط في اختيار المسؤولين ( والي القضارف، مدير الميناء ..)
- مشروع العلمنة الذي أتى هذه المرة أكثر جذريةً ( تغييرات القوانين، والمناهج .. الخ)..
- الوعود الوردية المبالغ فيها بتحسين معيشة الناس، وما أعقبها من برنامج اقتصادي شديد القسوة، والتعويل الكبير على المساعدات الخارجية التي لا تأتي بالقدر المطلوب .
- تشكيل لجنة سياسية بصلاحيات فوق قضائية للفصل من العمل والمصادرة، وليست فوق شبهات الفساد ( السرقة، الابتزاز، تصفية الحسابات السياسية والشخصية، الاختلاف مع المالية حول أين ذهبت الأموال المصادرة .. الخ).
- التسييس العلني للقضاء، والتغييب المتعمد لبعض أجهزته، وتحويل بعض القضاة إلى كتبة تقارير عن زملائهم، وإعطاء السياسيين صلاحية فصل القضاة ووكلاء النيابة..
- التمديدات المتكررة للفترة الانتقالية، وظاهرة فوبيا الصناديق التي ظهرت هذه المرة بأوضح صورة. وعمل أحزاب الفكة من أجل اقناع الشعب بأن تمكينها الانتقالي هو التحول الديمقراطي المنشود.
- الصراعات والانشقاقات بكل أنواعها التي فصلها حمدوك ( مدنية- مدنية، ومدنية – عسكرية، وعسكرية – عسكرية) .
- التسابق على إرضاء الخارج والاستقواء به لتحسين الموقف في الصراع/المنافسة.
- التغييرات الجذرية في مفهوم السيادة وطبيعة العلاقات الخارجية ( التطبيع، التبعية ، نفوذ السفارات، بعثة الوصاية، دفع الاتحاد الأوروبي لرواتب مكتب رئيس الوزراء، التهديد بعقوبات جديدة )
كل هذه الاختلافات عن الفترات الانتقالية السابقة جعلت أحزاب الفكة تستبطن الشعور باستحقاقها لثورة أو انقلاب يقطع عليها مشروعها شديد الشذوذ الذي جعلها تنظر لنجاحات الفترات الانتقالية السابقة كأخطاء تعمل على تفاديها .
إبراهيم عثمان