الضحية رقم ١١٥ .. من هو القاتل ؟؟؟؟
هذه ليست رواية من روايات أجاثا كريستي ولا عنوان لفيلم من أفلام المخرج البريطاني الشهير ألفريد هيتشكوك كما أنها لا تنتمي لجيل الألغاز والمغامرات التي كان يكتبها محمود سالم ليضاف إليها كلمة لغز لتكون (لغز الضحية رقم ١١٥).. لكنها محاولة لفهم كيف يموت هؤلاء الشباب الذين يخرجون ضد ما يسمونه (حكم العسكر) واسقاطهم واسقاط انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م حيث وصل عدد الذين قتلوا خلال هذه التظاهرات والمليونيات إلى ١١٥ معظمهم ممن هم في ريعان الشباب وذلك بواقع أحد عشر كل شهر تقريباً.
اللافت بدءاً أن معظمهم ما بين الثماني والعشرين والثامنة عشر أو السادسة عشر وهذا أمر غريب سيما وأن القتل دوماً برصاصٍ مباشرٍ في الرأس أو الصدر وفي الصدر ليس عشوائياً بل في القلب تماماً كما تؤكد الجهة التي تزف هذه الاخبار (السارة) بالنسبة لها والتي سنعرفها بين ثنايا هذا المقال.. فالاستفهام الأول لماذا هذه الفئة بالذات تحديداً تحظى باستقبال رصاص قوات الشرطة دون غيرها من الفئات ؟
الاستفهام الثاني لماذا الإصابات في مقتل دائماً ؟؟ طالما أن الإطلاق يكون في مثل هذه الأحوال عشوائياً من الجهات النظامية شرطة أو غيرها بهدف تفريق التظاهرات كغاية أولى للأجهزة الأمنية وليس من أسلحة (قنّاصة) لتكون الطلقة بقتيل ومباشرة.. فمتى ما كان القصد تفريق التظاهرات يكون إطلاق الرصاص (وإن حدث) في الهواء وليس مباشرة لتحقيق غاية (التفريق) وليس (غاية) القتل.
استفهام آخر مهم متعلق بأن القتل دوماً بعيد عن مكامن الخطر من وجهة نظر أمنية بحتة وممن يقومون بمكافحة أعمال الشغب والتظاهرات.. بمعني أن آخرهم وهو الضحيّة رقم ١١٥ أبوبكر معتصم اسماعيل الشهير ب(غيمة) أصيب بطلق ناري في صينية أزهري.. وهو فقط من قتل وليس معه شخص آخر ولا حتى مصابين.. فما هي رمزية صينية أزهري بالنسبة لمن يتصدّون للتظاهرات وهي ليست القصر الجمهوري ولا القيادة العامة ولا جهاز المخابرات كما أنها ليست جسر مغلق حاول البعض تخطيه.. بمعنى أن إطلاق النار المباشر هو آخر مرحلة لوقف تقدم المتظاهرين واختراقهم جميع الحواجز الأمنية ولدفاع هؤلاء عن الأماكن التي يحمونها وعن أنفسهم أيضاً كما كان عليه الحال في سريلانكا مثلاً.. اقرأوا إن شئتم هذه الجزئية من بيان البوم الذي يعجبه الخراب لجنة أطباء السودان المركزية (ارتقت روح الشهيد أبوبكر معتصم اسماعيل الشهير ب(غيمة)
عضو لجان المقاومة بأمدرمان مساء أمس الخميس ٢١ يوليو ٢٠٢٢م في موكب بصينية الأزهري امدرمان برصاصة غادرة في الصدر أردته قتيلا وهو بين رفاقه وأصدقائه من الثوار الذين سارعوا بحمله لاسعافه بالمستشفي) .. هل أصيب أحد رفاقة وأصدقائه الذي كان بينهم والذين حوله طالما كان إطلاق الرصاص من بنادق عادية وليس قناصة ؟؟ ولماذا رصاصة واحدة فقط هي التي قتلته وليس أكثر ؟
ذات المشهد يتكرر بنفس السيناريو وأقراوا هذا أيضاً (وقالت لجنة أطباء السودان المركزية -في منشور على صفحتها بموقع فيسبوك الجمعة- أن شاباً عشرينياً لقي حتفه إثر إصابته في الصدر برصاص حي “أطلقته قوات الانقلاب بغزارة أثناء قمعها لمواكب (مظاهرات) بحي الصحافة (جنوب الخرطوم).. كلمة (بغزارة) هذه لا تتسق
ومقتل متظاهر واحد فقط لا غير اللهم إلا إن كان من أصدر البيان يقصد (بقذارة).. ثم نفس التساؤل يمكن طرحه.. ما رمزية الصحافة بالنسبة لقوات الأمن والشرطة كمهدد للأمن بستوجب اطلاق الرصاص بهدف القتل؟؟ بذات المنوال ونفس الأسلوب ونفس الملامح والشبه ( أحمد عبدالله احمد الشهير ب حلاوة السكن : النزهة نوع الاصابة : طلق ناري في الصدر مكان الاصابة : الصحافة محطة سبعة مكان الإستشهـاد : مستشفى التميّز).. ما هي أهمية محطة سبعة كمهدد (للأمن القومي السوداني)؟؟ ذات الأسئلة المشروعة المنطقيّة والحائرة تظل مطروحة وتبحث عن إجابة تشفي الغليل وتريح العليل.
أمر أخير ومهم جداً لماذا كل الضحايا من الأطراف وممن لا علاقة لهم من قريب ولا من بعيد ولا حتى من بعيد جداً بالقيادات في قوى الحرية والتغيير أو الحزب الشيوعي السوداني أو المؤتمر السوداني أو حركة عبد الواحد نور الذين وغيرهم من دعاة اللاءات الثلاث ممن يتصدون لتعبئة الشباب من خلف الكي بورد خارج السودان أو من خلال الشحن الزائد وهم داخل السودان بينما يتفرجون ويديرون (ريموت) الفضائيات لمعرفة نتائج أعمالهم هذه (ويمسكون العدد) لأن الضحايا عندهم مجرد أرقام لا أكثر ولا أقل.. لا قصاص لدم أريق وروح أزهقت .. ولا عزاء لأم مكلومة وأسرة تعتصر الألم.
قبل أن أختم أسألكم سؤال بسيط جداً هل اطلعتم على تقرير تشريح جنائي يصف بدقة ملابسات قتل هؤلاء الضحايا عبر الطب الشرعي؟؟ أقلها لنعلم ما هو السلاح المستخدم في القتل ؟ ما هي المسافة التي أطلق منها ؟ ما هي زاوية الإطلاق وكم عدد الرصاصات التي تم إطلاقها ؟ من أي عيار كان؟ هل العيار متوفر لكل الأجهزة الامنية أم لا ؟؟ هذه تعتبر أولى مراحل القصاص الذي يدّعيه هؤلاء.. فلا قصاص دون وجود مستند ووثيقة رسمية يتم الرجوع إليها لإثبات الحالة وإثبات سبب الوفاة إن كان شعار القصاص حقيقياً ممن ينادي به وليس (متاجرة) .. أما أن تعلن القتل (وبرصاص الانقلابيين) وتلف القتيل بعلم السودان وتستخدمه للإثارة ونشر الكراهية ضد السلطات في كل بيت فقد عزيز فهذه متاجرة رخيصة بالدماء لا أكثر ولا أقل ويقابله تماماً (دفن الليل أب كراعن برة).
أختم فأقول أن الشرطة أو الجيش أو أي قوة نظاميّة مكلفة بواجب التصدي للتظاهرات عندما تفتح النار على متظاهرين سلميين أو غير سلميين حتى تقتل العشرات في لحظةٍ واحدةٍ وفي مكانٍ واحدٍ وفي ثوانٍ معدودة لا أكثر ولا أقل.. هذا منطق الأشياء.. أما أن تُفتح النار كما نسمع ونقرأ في التقارير من جهة واحدة فقط ويُقتل شخص واحد فقط فهذا لا يستقيم ولا يمكن ابتلاعه مطلقاً ولو كنت ضارب (شاشمندي) ومخروش بآيس.. فمثلما أن الذي يرقص ما بيغطي دقنه فالذي يقتل يا سادة يا كرام يقتل وبتعليمات وأوامر إطلاق نار واضحة وصريحة لا مواربة فيها ولا خجل ولا حاجة لأن يتخفى أو يغطي وجهه.. حفظ الله شبابنا من هؤلاء القتلة وعصم دماءهم ورحم الله من مضى منهم في هذا العبث الذي لا يزال عرضه مستمرا..
وفي انتظار الرقم ١١٦
✍️اللواء ركن م/أسامة محمد أحمد عبد السلام