الولايات المتحدة تحتاج باكستان.. لمواجهة المشاكل والفوضى بـ أفغانستان
عادت العلاقات الأميركية الباكستانية إلى الواجهة مرة أخرى، وفي ظروف تشبه كثيراً ما حدث في السنوات الأربعين الماضية، فهناك مشكلة في أفغانستان، إذاً هناك حاجة أميركية لباكستان.
إذ يرى العديد من العسكريين في البنتاغون أن “العلاقات العسكرية مع باكستان مهمة وتزداد أهمية مع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان“، كما يعتبر الأميركيون باكستان دولة إقليمية مهمة وشريكا للولايات المتحدة.
ولعل في هذا الوصف الكثير من الواقعية، فالمسؤولون والقادة الأميركيون يؤكدون في الوقت الحاضر أن باكستان دولة إقليمية مهمة رغم أن العلاقات بين الدولتين مرّت بتوترات كثيرة خلال السنوات العشرين الماضية، حيث اعتبرت واشنطن لسنوات باكستان حاضنة لتنظيمات متطرفة وإرهابية معادية للولايات المتحدة، وقد عملت هذه التنظيمات من الأراضي الباكستانية أو وجدت فيها حاضنة جيدة، كما عملت القاعدة وطالبان وغيرها على التحرك عبر الحدود الباكستانية الأفغانية، فيما لم تتجاوب إسلام آباد سابقا مع الإدارات الأميركية المتعاقبة لمنع تلك الحركة، إلى أن ساءت الأمور تماماً بين الجانبين.
أما الآن فيرى الأميركيون أن الأمور تغيّرت، فتنظيم طالبان الذي تسبب بهذه “العلاقات الصعبة” بين إسلام أباد وواشنطن، تحوّل من تنظيم إرهابي إلى جهة أفغانية تجتمع مع ممثلي الولايات المتحدة وباقي دول العالم، وأصبح مقبولاً لدى الأسرة الدولية أن يشارك هذا التنظيم في الحياة السياسية الأفغانية.
إلى ذلك، تغيّرت خلال السنوات الماضية أيضاً علاقة باكستان مع طالبان، وفي هذا السياق، يرى العسكريون الأميركيون أن باكستان كانت القناة الأميركية للتحدّث والضغط على طالبان، فيما كان التنظيم يعاند المطالب الأميركية الباكستانية.
طالبان بحاجة إلى القنوات السرية بين باكستان وأفغانستان
بينما استطاعت باكستان ممارسة الضغوطات لأن طالبان كانت بحاجة إلى القنوات السرية والمعابر بين باكستان وأفغانستان، كما احتاجت لسماح باكستان باستعمالها.
وفي الوقت الحاضر أصبح تنظيم طالبان نشطاً في العلن، وتفلّت من الضغط الباكستاني، وها هو يستعد ليكون جزءاً من الحكومة وطرفاً مساوياً للمشاركين في حكومة باكستان.
تعليقا على تلك المعطيات، قالت مديحة أفضل، خبيرة في شؤون باكستان في حديث مع مصادر، إن “قيادات طالبان الحالية تختلف بعلاقتها مع باكستان عن المجموعة السابقة منذ 20 عاماً”، لكنها أكدت في الوقت عينه ما يقوله العسكريون الأميركيون وهو أن الاعتراف الدولي أعطى جماعة طالبان ثقة بأنفسهم ولم يعودوا بحاجة إلى باكستان كما من قبل.
لكن الجغرافيا لا تتغيّر، لذا يتمسك العسكريون الأميركيون بمسألة الحاجة لباكستان، لكونها “قوة إقليمية ودولة محاذية لأفغانستان، كما أنها قوة نووية إلى جانب الهند”، إلا أن المسؤولين في البنتاغون رفضوا الإدلاء بتصريحات رسمية حول تلك القضايا، مذكّرين بمضمون بيانات الحكومة الأميركية بعد اتصالات وزيري الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية توني بلينكن بنظرائهم في باكستان.
وكان بيان البنتاغون أشار إلى أن أوستن شدد على أهمية العلاقات الثنائية وأعرب عن تقديره لدعم باكستان للعملية السياسية في أفغانستان.
غير أن ما لم يقله البيان صراحة وتنقله العربية.نت عن مصادرها، هو أن الوزير الأميركي طلب من رئيس أركان الجيش الباكستاني أمرين واضحين: الأول هو ضمان انسحاب الأميركيين من أفغانستان من دون وقوع هجمات عليهم، والأمر الثاني هو ضمان وقوف باكستان إلى جانب الولايات المتحدة خلال مسار المفاوضات بين الأطراف الأفغانية، وممارسة الضغوط المطلوبة من قبل إسلام أباد على حركة طالبان خلال هذه المرحلة.
يحتاج الأميركيون إلى الأجواء الباكستانية
ويبقى السيناريو الأهم في بال الأميركيين من عسكريين ودبلوماسيين هو أن خروج القوات الأميركية والأطلسية سيعني حصول فراغ في البلاد، لذا فالأفضلية هي لحكومة وفاق تملأ الفراغ.
أما الأخطر في السيناريوهات الأميركية فيكمن في أن تستغل التنظيمات الإرهابية الفراغ وتعود إلى أراضي أفغانستان، وهنا يأتي دور باكستان الأساسي.
فبحسب المسؤولين الأميركيين، تقوم باكستان منذ سنوات بمكافحة الإرهاب وتضبط حدودها بشكل أفضل، لذا يريدونها أن تتابع ذلك.
كما يحتاج الأميركيون إلى الأجواء الباكستانية للتحليق عبرها عند القيام بأي عمل عسكري في أفغانستان ولا يريدون مرة أخرى إغضاب الباكستانيين في خرق أجوائهم، كما حدث عند قتل الأميركيين لأسامة بن لادن في أبوت أباد العام 2011، دون إعلام الباكستانيين.
فيما يتمثل السيناريو الخطير الثاني في دخول إيران إلى الأراضي الأفغانية وإنشائها ميليشيات موالية لها، حيث سيكون من الضروري للأميركيين إيجاد قوات توازن الضغط الإيراني، وهنا يعود الدور الباكستاني مرة أخرى إلى الواجهة.
مع كل تلك السيناريوهات السيئة والممكنة في أفغانستان، يلمس الأميركيون أهمية باكستان لهم بما لا يقل ربما عما كانت عليه خلال السنوات الأربعين الماضية.