حاكم دارفور المكلف يدفع باستقالته عقب الاعتداءات على “يوناميد”
تسبب الاعتداء والنهب المتكرر خلال الأيام الماضية على مقار البعثة الأممية المختلطة بدارفور “يوناميد”، التي أشارت أصابع الاتهام إلى أجهزة أمنية وسياسية، في دفع حاكم إقليم دارفور المكلف محمد عيسى عليو باستقالته من منصبه، تعبيراً عن استيائه لفشل وعجز الحكومة السودانية في السيطرة على عمليات النهب المنظمة على ممتلكات تركتها بعثة اليوناميد في مقرها الرئيس في مدينة الفاشر.
وقال عليو لـ”اندبندنت عربية”، “تقدمت باستقالتي اعتراضاً على الهجمة الشرسة على مقتنيات البلاد عامة ودارفور بخاصة، والمتمثلة في آليات ومعدات عظيمة، حيث تم نهبها جهاراً نهاراً على مرأى ومسمع القوات المشتركة التي تتولى الحراسة، وهذا بلا شك أمر مؤسف ولم أجد خياراً غير الترجل عن منصبي”.
وتابع، “المؤسف أن قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، وتؤمّن مقر اليوناميد بجانب قوات من الجيش والدعم السريع والأمن ظلت تتفرج على أعمال النهب من دون تدخل، فضلاً عن عدم مؤازرة قيادتها حكومة الإقليم في تلك الأحداث”.
طرف ثالث
وأضاف حاكم دارفور المكلف، “من الواضح أن هناك تباطؤاً، لكن لا أستطيع اتهام جهة معينة قامت بتلك الأحداث فهو أمر سابق لأوانه، خصوصاً أن هناك تحقيقاً جارياً سيبين من قام بتلك الأعمال المشينة، فليس هناك دولة أجنبية قامت بعملية إنزال لنهب هذه الممتلكات، ولا يعقل أن يقوم مواطنون عاديون بهذا العمل، فما حدث واضح للعيان ولا يحتاج إلى تفكير عميق”.
ولفت إلى “أن تلك الأحداث مؤشر خطير إلى أن دارفور مقبلة على خطر، فإذا لم تستطع قوات مشتركة حماية مقار تقع في مساحة لا تتعدى الخمسة كيلومترات، فكيف تتمكن من حماية الإقليم الذي تبلغ مساحته 525 كيلومتراً”، لكنه يرى “أن استقرار الأوضاع ممكن إذا كان هناك جديد في إيجاد حلول وفق خطة جديدة وانتشار كثيف للقوات الأمنية في كل أنحاء الإقليم”.
وأوضح، “أن هناك طرفاً ثالثاً لا يريد تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام ونجاحها على أرض الواقع، فلا يعقل أن يعطي الحاكم أوامر مشددة بحسم المتفلتين من دون رأفة، لكن لا أحد ينفذ تلك الأوامر، ما يثبت ما لا يقطع مجالاً للشك أن هناك جهات تعمل بعيداً من مصلحة أمن واستقرار دارفور”. مؤكداً “أن دارفور أصبحت منذ 20 عاماً سوقاً رائجة لتداول كل البضائع المدمرة والتي تعرض من قبل جهات دولية وإقليمية ومحلية، خصوصاً أنها تجاور خمس دول ملتهبة بكثرة السلاح وانتشاره بشكل واسع، وللأسف سكان وأهل الإقليم غير مدركين للدرس وما يحاك ضدهم من مؤامرات”.
انتقال العدوى
وأشار عليو، إلى “أن مشكلة دارفور أثرت في كل أقاليم البلاد، حيث انتقلت العدوى إلى بقية المناطق، فمعروف إذا تعافى الرأس تعافت الأطراف، والعكس الصحيح. لكن كل المطلوب لوقف هذا النزيف المدمر أن يكون هناك نظام قوي من الحكومة المركزية يتيح لها التحرك بقوة من خلال إعادة تنظيم القوات المشتركة والقيام بتنفيذ الترتيبات الأمنية واتخاذ القرارات القوية”.
وأظهرت مقاطع فيديو بُثت على مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت سابق مشاركة عناصر من القوات النظامية في أعمال نهب مقر بعثة اليوناميد بالفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور.
ووقعت أعمال النهب على مرتين، الأولى نهاية ديسمبر (كانون الأول) والثانية الاثنين العاشر من يناير (كانون الثاني)، حيث جرت الأخيرة بعد ساعات من إكمال حكومة الإقليم عملية تقسيم الأصول بين ولايات دارفور الخمس، إذ كان من المقرر أن تنقل الولايات الأخرى حصتها بعد إكمال التقسيم، لكن القوات المكلفة بحراسة المقر منعتها من ذلك.
وتشمل الأصول التي نهبت سيارات دفع أمامي وشاحنات كبيرة ومولدات كهربائية علاوة على مقتنيات أخرى.
لجنة تحقيق
في ضوء هذه الأحداث، وجه حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث معسكر بعثة “يوناميد” في الفاشر على جناح السرعة، وإلقاء القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة.
وتم تشكيل اللجنة برئاسة ممثل عن الهيئة القضائية وعضوية ممثل النائب العام في ولاية شمال دارفور، وقائد المنطقة الغربية، والمستشارين الأمني والسياسي لحكومة إقليم دارفور، وممثل عن الحركات الموقعة على مسار دارفور، والأمين العام لكل ولاية، وممثل عن لجنة تصفية أصول اليوناميد، ومسؤول إعلام حكومة الإقليم والمستشار القانوني لحكومة الإقليم.
إدانة دولية
ودان الأمين العام للأمم المتحدة، أعمال النهب والتقارير عن العنف حول قاعدة بعثة “يوناميد” اللوجستية السابقة في الفاشر. وأعرب في بيان منسوب لنائب المتحدث باسمه، فرحان حق، عن قلق بالغ إزاء سلامة أفراد بعثة اليوناميد الذين لا يزالون في القاعدة. وشدد على “أن أمن هذا الجزء من القاعدة الذي تم اقتحامه ونهبه كان ينبغي على السلطات السودانية الحفاظ عليه بمجرد تسليمه إليها”. وأشار إلى أن حادثة النهب والتدمير هذه تعد بمثابة مأساة للمجتمعات السودانية التي استفادت من كميات كبيرة من المعدات والإمدادات التي وهبتها أصول الأمم المتحدة بهدف استخدامها للأغراض المدنية.
إنهاء تفويض
وكان مجلس الأمن الدولي أنهى في ديسمبر الماضي تفويض اليوناميد بعد مرور أكثر من 10 سنوات على نشر البعثة المختلطة، بهدف حماية المدنيين في إقليم دارفور، الذي شهد نزاعاً مسلحاً بين الحكومة والجماعات المسلحة، أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين من سكان الإقليم.
وزارت نائبة الممثل الخاص للأمين العام، المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان خاردياتا لو ندياي، دارفور الشهر الماضي، لترأس تسليم الجزء الشمالي من قاعدة “يوناميد” اللوجستية إلى سلطات الولاية. وأبدت بوضوح قلقها حيال سلامة فريق تصفية البعثة وأمنه وسلامة الأصول