في ظل توالي دعوات الوفاق الوطني التسوية الشاملة .. هل (يُصفر) السودانيون عداد الأزمة؟
في وقت عقدت فيه الهيئة القيادية للحرية والتغيير الميثاق الوطني اجتماعها، لمناقشة قضايا سياسية واقتصادية، تداعت الكثير من التساؤلات حول إمكانية التوافق الوطني بين القوى السياسية والمدنية من جديد، سيما عقب تعالي الأصوات والدعوات للتوافق الوطني للخروج من المآزق الحالية، خاصة عقب تصريحات فولكر بأن حل الأزمة السياسية لابد أن يأتي من السودانيين أنفسهم، في وقت تطرح فيه قوى سياسية والمكون العسكري تسوية شاملة تضم مكونات سياسية ومهنية وعمالية وقوى ثورية ،عدا المؤتمر الوطني المحلول.
فكرة التسوية قد تروق لأحزاب الهبوط الناعم ومؤيدي انقلاب 25 أكتوبر في محاولة لـ(دك الورق ) وتوزيع الأدوار السياسية من جديد، لكنها تصطدم بترس لجان المقاومة التي طرحت ميثاقاً سياسياً يقوم على مبدأ (اللاءات الثلاث).
إباحة المحظورات
التحولات التي تحدث في الساحة السياسية المتحركة يبدو أن كل شيء فيها وارد بما فيها التسوية، خاصة أن فقه السياسة السودانية لا يقوم على مبادئ أصولية واضحة ( الضرورات تبيح المحظورات) و(باركوها يا ناس) من أجل العبور. هكذا هو الفقه منذ قديم الأزل، الذي تسطره صفحات التاريخ، والذي لم تكن فترة الانتقال بمعزل عنه منذ تعسر البدايات وحتى قيام انقلاب البرهان. تسويات في العلن وأخرى في الخفاء، إلا أن احتدام الوضع وتمترس المواقف جعل رئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس يقود مبادرة في الثامن من يناير الفائت، لتيسير عملية سياسية بين أطراف السودان، تقوم على سماع رؤية الفاعلين في الشأن السياسي عن كيفية الخروج من أزمة البلاد، عقب انسداد الأفق بين المكونات، إلا أن تمسك تنسيقيات لجان المقاومة باللاءات الثلاث (لا شراكة -لا حوار – لا مساومة) مع المكون العسكري والمطالبة بإسقاط الانقلاب وتأسيس الدولة المدنية، كان عقبة، وقد أشار ميثاق سلطة الشعب في أول بنوده إلى إسقاط الانقلابيين وتعديل اتفاقية سلام السودان الموقعة في جوبا ٣ أكتوبر ٢٠٢٠م. كل هذا جعل المهمة أمام فولكر عصية، وقد جدد عضو مقاومة أم درمان جنوب التجاني لـ (الإنتباهة) ،تمسكهم بعدم العودة للشراكة أو الحوار بل الاستمرار بتمسكهم في إسقاط الانقلاب ، وأوضح بأن الميثاق السياسي للجان قام باستثناء مؤيدي انقلاب 25 أكتوبر وشركاء النظام البائد حتى لحظة سقوطه في ١١ أبريل ٢٠١٩م .
الاتجاه الصحيح
وفي ذلك ترى المحللة السياسية أسمهان إسماعيل في حديثها لـ(الإنتباهة) أن الوفاق الوطني والتسوية الشاملة أو ما يعرف بالعدالة الانتقالية هي دعوة لو تنزلت لأرض الواقع ستكون خطوةً في الاتجاه الصحيح لإرساء نظام ديمقراطي مستقر، حيث تقوم فكرة الوفاق الوطني على أساس محاسبة الذين تورطوا في جرائم أو انتهاكات حقوق الإنسان في النظام السابق أو الأنظمة السابقة وكذلك دمج الآخرين في العملية السياسية، وهو ما نادت به مجموعات سودانية على أن يستثنى المؤتمر الوطني من المشاركة في الوفاق باعتباره يمثل الحكومة السابقة والتي من المفترض أن تتعرض للمحاسبة وفقاً لما تقتضيه مطلوبات العدالة الانتقالية وما يتطلبه إرساء قواعد الديمقراطية ..
وتابعت: حتى يسير الوفاق الوطني في الاتجاه الصحيح من المفترض أن تكون هناك محاكمة جنائية لكل المتورطين في جرائم حرب أو انتهاكات لحقوق الإنسان وفقاً لقوانين الدولة كذلك من المهم جداً تعويض كل من تضرر بالأخص في مناطق الحرب ومعسكرات النزوح جراء الحرب ويختص بهذه الجزئية إقليم دارفور.
وتذهب أسمهان إلى ضرورة تكوين لجان تقصي للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان ومراجعة كل الأجهزة النظامية من شرطة وجيش ومن باعتبارها شريكاً في النظام السابق ولا تستثنى من مسؤولية الانتهاكات، وأضافت: من هذا المنطلق تعتبر فكرة الوفاق الوطني فكرة إيجابية جداً وان كانت سبقتها بعض التشوهات متمثلة في لجنة إزالة التمكين التي كانت ترتكز على أسس سياسية برؤية حزبية ضيقة غالب عليها طابع الانتقام بينما من المفترض تكوين حكومة انتقالية مبنية على أساس الكفاءات المستقلة والتخصص وهذا ما لم يحدث، وأكملت: استبدال نظام تمكين سابق بنظام تمكين حالي إطلاقاً لا يخدم فكرة الوفاق الوطني الذي يقوم على مبدأ العيش المشترك وليس تمزيق المجتمع والذي بدوره لا يصب في مصلحة الديمقراطية ..
حجر عثرة
وتؤكد أسمهان على أن فكرة الوفاق الوطني تتطلب حكومة مستقلة ومن كفاءات ولكن في ظرف السودان الحالي مع تسيد الأحزاب المشهد السياسي في ظل اختلافاتها، بجانب وجود حركات مسلحة موقعة على اتفاق سلام وهي أيضاً لا تتفق مع معظم الأحزاب فضلاً عن غياب الدعم الدولي لتعويض المتضررين كل هذا يقف حجر عثرة أمام التسوية الشاملة وتحقيق العدالة الانتقالية، وشددت على أنه ما لم يتوافق الجميع ستظل التسوية مجرد أفكار ولن ترى النور على الرغم من أهميتها.
الفقه الثوري
بالنظر لهذه الخطوة تبدو قوى الثورة إغلاق الباب أمام أية عودة لشركاء الإنقاذ أو ما يعرفون في الفقة الثوري بـ (الفلول ) للتسلل ودخول مؤسسات الانتقال من باب التوافق الوطني الذي ظل يردده (الجنرال)، وفي هذا الاتجاه ترى عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير عبلة كرار في حديثها لـ (الإنتباهة ) على أن المكون العسكري كان مجرد شريك في السلطة وكان من المفترض أن لايتدخل في الشأن المدني، وأكدت أن دعوات العسكر المتكررة للوفاق الوطني ماهي إلا ذريعة لفتح الباب لأحزاب الفكة صنيعة النظام البائد لاستخدامها كذراع مدني للتحكم في السلطة القوى السياسية المشاركة في أحداث التغيير وموضحةً بأن الثورة تعتبر هي القوى التي اجتمعت ووقعت على ميثاق الحرية والتغيير، وقالت: أما من كانوا مع النظام البائد حتى سقوطه فهؤلاء لا توافق معهم قبل انقلاب أكتوبر المشؤوم ميزت الحرية والتغيير بين خلافها مع المكون العسكري وخلافها مع القوى السياسية الأخرى التي طالبت عبد الله حمدوك أن يفصل في وساطته بينهما، وأكملت: لسنا رافضين للتوافق مع أي قوى سياسية غير لأننا لا نعترف بالقوى السياسية صنيعة النظام البائد وأحزاب الفكة أما القوى السياسية التي والت الانقلابيين فمصيرها السياسي أصبح ليس قرارنا وحدنا وإنما قرار قوى الثورة.
ميثاق شرف
من جانبه قال رئيس الحزب الوطني الاتحادي،والقيادي في الحرية والتغيير القوى الوطنية، د. يوسف محمد زين في حديثه لـ(الإنتباهة ) ان المجلس المركزي للحرية والتغيير يعتبر جزءاً من المشهد وأن الأزمة أكبر منه، وكشف في الوقت نفسه عن وجود (20) مبادرة تتضمن حلولاً للأزمة ،وأضاف: نحن نرى أن حل الإشكال ينبغي أن يكون بجمع تلك المبادرات في رؤية واحدة عبر شخصيات وطنية ،والكل يتحمل المسؤولية ،وأن حل الأزمة لا يتم بالتوصيف ،وتابع: (نحن نفتكر أن الخروج من عنق الزجاجة هذا يكون بالتصدي والوقت ليس للمزايدات).واعتبر في الأثناء أن الحرية والتغيير المجلس المركزي غير مؤهلة لقيادة المركز الموحد لهزيمة الانقلاب ،وبشأن ميثاق سلطة الشعب الذي طرحتها لجنة المقاومة اليومين الماضيين، ذكر أن لجنة المقاومة شعرت بالخطر المحدق بالبلاد لذلك طرحت مبادرتها ،وأكد أن الميدان مفتوح للجميع لطرح رؤاهم وللأطراف الأخرى حق الرد على تلك الرؤى ونحن لدينا مبادرتنا وقد طرحنا الميثاق السياسي ولا أحد يدعي الحكمة. واقترح زين ميثاق شرف للقوى السياسية والمهنية والنسوية والعمالية وكل الكيانات لوقف المزايدات ،لأن البلاد بحد تعبيره لا تتحمل ذلك، مؤكداً تعويلهم على الحلول الوطنية حال صدقت النوايا.
تسوية شاملة
رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان كان ومازال يدعو للتوافق الوطني وطرح تسوية شاملة للمأزق السوداني تشمل الجميع عدا المؤتمر الوطني المحلول ،وقال البرهان إن القوات المسلحة ستظل على العهد ولن تسلم البلاد ومقدراتها إلا لحكومة تأتي في ظل توافق وطني أو انتخابات شفافة.
ودعا البرهان ،لدى زيارته،لمنطقة الشجرة العسكرية، القوى السياسية إلى التوافق الوطني للعبور بالبلاد إلى بر الأمان كما نبه للتحديات والتهديدات التي تحدق بالوطن خلال هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها.وحث كل مكونات المجتمع السوداني للتعاون مع القوات النظامية لحفظ أمن البلاد والمحافظة عليها ، كما دعا الأفراد لتحمل الإساءات وحملات التشويه الممنهجة ضد القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى التي تهدف إلى تشتيت وحدتهم وزعزعة إيمانهم بالوطن