ظل علي بعد تجاربه الثلاثة الماضية في علاقات لم تكتمل – كلها مقننة- واجمًا قابعًا في أي شئ يُلهيه عن أخطاء ورواسب الماضي، حتى آتته رغدة.
علي شاب في آواخر العشرينيات، ورغدة في المنتصف، علي كأي شاب مصري كانت طموحاته عنان السماء تكبر عامًا بعد عام، واندلعت الثورة، فأحبها وصدقها، لكنها خذلته هو وجيل كامل مازال يبحث عن الحق في الحياة بكرامة، حياة بها عمل عادل وأمن وأمان وحبيبة وأطفال ومسكن بسيط، ولا شئ غير ذلك.
قال إنه كان مبعثر الأفكار مشتت في كل الخُطوات والخُطَط، فأصبح في فلكه طيفها يهدئ من روعه قبل حضوره الكامل. حُلو الكلام لم يكن له دور أكثر من عقلها الذي طغى على جمال حضورها الخفيف وصوتها العذب، عذوبتها كانت في كل شئ وفي أي وقت، هكذا قال.
عرفها وبدأ يلملم شتاته وفُتَات روحه المبعثرة، وقال لها يا فَتاتِي لقد لَملَمت بحضورك فُتَاتِي، لقد عزمت على ألا تفوتني معرفة ماهية نفسك وروحك، حتى لو حكم على علاقتنا بمستوى محدد من مستويات المحبة، صدقته واتفقت معه، لكنها حذرته من عواقب الدهر والأيام والليالي ومضت.
علي يعمل في مهنتين حكم عليه بلده بأن يكون فاسدًا فيهما حتى يجني منهما الكثير فرفض ويدفع ثمن سيره وإبحاره عكس هذا التيار، لكنها كانت تدعمه وتضبط أفكاره وفكره من حين لآخر دون أن تدري، فأحب أن يُقبِل على الحياة لأجلها، حتى ظهر ما يعكر صفوهما.
ذات يوم حدث حادث تدخل علي فيه يخص صديقته رغدة، لكنه كان قد نسى قاعدة طبقها في الماضي القريب، ألا يتدخل في تفاصيل قد تكون مواقفه بها حادة فتغضب منه الآخرين وهكذا حدث ما تجنبه في الماضي، حتى جائني باكيًا، يشكو سذاجة عقله التي كان قد عالجها في وقت سابق.
قلت لعلي: يا صديقي لقد كنت صادقًا أو هكذا تقول، وهي لها الكثير لديك، وتريد أن تحظى بها ولها على كل شئ طيب وجميل في درجات المحبة، وتسعى لأن تُوَفَّق في أن تكونا شريكان في الحياة، فلا تفقد قدرتك على المحاولة، ولا تترك ما بدأت وسعيت له في الماضي القريب، ولعل خطأك هذا الذي أشرت له يبني جسرًا جديدًا أقوى من الذي كنت تسير عليه وتعثرت في السير عليه حتى تغيره وتبني غيره بينكما، وألا تعود مرة أخرى لما كان، حتى يكن لكما ما تود أن يكون.