مظاهرات السودان ورقة تزيد من صعوبة التوصل إلى حلول توافقية..المتظاهرون لا يقدمون حلولا للتعامل مع الأزمة الراهنة
مر أكثر من شهرين على الاحتجاجات المستمرة في السودان ضد استيلاء قائد الجيش عبدالفتاح البرهان على السلطة بالبلاد، ما يزيد من صعوبة التوصل إلى حلول توافقية في ظل انفصال الشارع المنتفض عن القوى السياسية المنقسمة بدورها على نفسها بشأن كيفية التعامل مع الأزمة.
الخرطوم – استمرت فاعلية المظاهرات التي تدعو لها قوى ثورية سودانية بصورة منتظمة واستطاعت أن تحافظ على ثباتها وسط متغيرات مختلفة، ما يجعل هناك رهانا عليها من جانب قوى مدنية تراها وسيلة مناسبة لتحقيق أهدافها.
وتوجه الآلاف من المتظاهرين الخميس إلى القصر الرئاسي ورفعوا شعارات تطالب بإقالة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقادة المجلس العسكري وجددوا التأكيد على اللاءات الثلاث: لا شراكة لا تفاوض لا مساومة.
وشهدت الخرطوم انتشارا أمنيا مكثفا وإجراءات مشددة وأغلقت طرق وجسور تؤدي للقصر الرئاسي، وانقطعت الاتصالات الداخلية وشبكة الإنترنت دون أن يمنع ذلك الحشود التي انطلقت من مناطق متفرقة وبدت أكثر إصرارا على تحقيق مطالبها.
وأضحت المليونيات المتتالية أشبه بعملية سياسية منفصلة عن مساعي الحوار والمبادرات المقدمة من أطراف داخلية وخارجية بحثا عن إحداث توافق بين المكونات المختلفة، وتحولت إلى مسار مواز لما يحدث على مستوى السياسيين، وكأن هناك انفصالا بين المفاوضات المتعثرة ومسيرات تتجاوز رؤى الباحثين عن التوافق.
آدم والي: التمسك باللاءات الثلاث يجعل الوصول لتوافق سياسي مستحيلا
ويواجه مستشار رئيس جنوب السودان توت قلواك الذي وصل الخرطوم الخميس بحثا عن حل سياسي والجهود الدولية الباحثة عن التوافق، صعوبات جمة في التعامل مع الوضع الراهن، لأن التوصل لمخرج يحلحل العقدة بين المدنيين والعسكري لن يكون مرضيا بالنسبة إلى القوى الفاعلة في الشارع.وتسببت أزمة انعدام الثقة بين الثوار وقوى سياسية متباينة من جهة، والحركات المسلحة والمكون العسكري من جهة أخرى، في حالة التباعد الحالية للدرجة التي جعلت هناك صعوبة في السيطرة على توجهات المتظاهرين أو إقناعهم بأي رؤى بديلة لما يرفعونه من شعارات غير قابلة للتطبيق على الأرض أو أن تطبيقها يتطلب دفع فاتورة سياسية واقتصادية باهظة قد لا تستطيع البلاد تحملها.
وتصطدم المسيرات والمواكب بوجود قناعات سياسية مختلفة لدى قياداتها، لأن تنسيقيات لجان المقاومة وتجمع المهنيين المدنيين، فضلا عن الحزب الشيوعي، يصرون على ضرورة إبعاد المكون العسكري من السلطة وتسليمها إلى المدنيين بشكل كامل، في حين أن حزب الأمة وهو يشكل قوة مهمة داخل تحالف الحرية والتغيير )المجلس المركزي( يؤمن بأن وجود العسكريين ضمانة للانتقال السلمي.
وقال عضو الأمانة السياسية بحركة جيش تحرير السودان، جناح مني آركو مناوي، آدم والي لـ”العرب” إن الشارع يلفظ جميع من يتواجدون على الساحة السياسية الآن من دون ظهير سياسي لن يتمكنوا من التفاوض لتحقيق الشعارات المرفوعة وتحويلها لمكسب، والقادة المحركون للمسيرات يفتقرون القدرات السياسية اللازمة لقيادة الدولة.
وأضاف أن القوى المهيمنة على تحركات الشارع تتجاهل حقيقة دامغة في تاريخ السودان الحديث، وهي أن وجود العسكريين في السلطة أمر لا مفر منه وهم جزء من الواقع السياسي، وإبعادهم لن يكون في صالح أحد مع حالة التشرذم الواضحة، ما يجعل العودة للمسار الديمقراطي وفقا لأسس الشراكة والتوافق الوطني السبيل الأنجح للخروج من المأزق الحالي.
وأكد أن طرح اللاءات الثلاث والتمسك بها يجعل مهمة الوصول إلى توافق سياسي مسألة مستحيلة، واستمرار المظاهرات إلى ما لا نهاية لن يكون في صالح الدولة، فهناك فئات تعتقد أن المسيرات تقود لأن يترك الجيش العاصمة، وأن ثمة أحزابا تبدو داعمة للحل السياسي بينما قيادات الصفين الثاني والثالث تقود المسيرات في الشارع.
ويقول متابعون إن المظاهرات تأتي بنتائجها المرجوة حال وجود توافق بين القوى المدنية حول أهدافها وتفاهمات حول طريقة إدارة المرحلة المقبلة إذا قرر قادة الجيش النأي عن المشهد السياسي.
ويضيف هؤلاء المتابعون أن الواقع الحالي يشير إلى أن إزاحة البرهان أو المجلس العسكري تقود للمزيد من الصراعات داخل القوى المدنية، وبينها وبين الحركات المسلحة، وأن الشراكة سوف تظل صعبة طالما بقيت الثقة مفقودة بين جميع الأطراف.
سليمان سري: المتظاهرون لا يقدمون حلولا للتعامل مع الأزمة الراهنة
وتنظر حركات مسلحة وقوى مدنية وحزبية متعددة لا تنخرط في المظاهرات بريبة وقلق تجاه ما يحدث في الشارع، ولديها قناعة بوجود أطراف تعتقد أن هناك مصلحة في استمرار المظاهرات لأطول فترة ممكنة لتحقيق أهدافها في التقدم نحو الاستحواذ على السلطة وإقصاء التيارات الأخرى.
ويبدو ما يحدث الآن أشبه بردة على المكاسب التي تحققت في ثورة ديسمبر التي منحت المزيد من المكاسب للأقاليم والحركات المسلحة على مستوى السلطة والثروة بحكم اتفاق جوبا للسلام، وأن تصاعد نبرة المركز في مواجهة الهامش سوف تكون له آثار سلبية على تماسك البلاد وسط حالة الاحتقان السائدة.
وتظهر دلالات ذلك من خلال عدم قدرة غالبية الأحزاب والحركات المسلحة على التوافق حول مبادرة واحدة يمكن أن تسهم في تهدئة الشارع، إذ أن المبادرة التي طرحها حزب الأمة رأت فيها حركات مسلحة بخسا لحقها في السلطة ولم تراع ما جلبته من مكاسب على حساب قوى سياسية، في حين أن “الميثاق الموحد” الذي تدعمه الجبهة الثورية لا يلقى حضورا مماثلا في أجندة الأحزاب السياسية.
وذهب المتحدث باسم التحالف العربي من أجل السودان )حقوقي( سليمان سري للتأكيد على أن المظاهرات وسيلة يستخدمها الشارع لإسقاط النظام الحالي وإقامة دولة مدنية تحمل الفحوى الذي تنطوي عليه الشعارات المرفوعة.
وأوضح لـ”العرب” أن المسيرات حققت نتائج إيجابية عديدة، على رأسها التأكيد على عدم تجاوز الشارع ورغباته، وهو ما ظهرت تجلياته في أن الأجهزة الأمنية هي من تضع المتاريس والحواجز لمنع المتظاهرين من الوصول إليها وليس العكس.
وأشار إلى أن المظاهرات عملية سياسية وليست بعيدة عن الحلول الناجزة، ورغم أن المبادرات المطروحة من الداخل والخارج لا ترضي المتظاهرين، إلا أنها لا تقدم حلولا تستطيع التعامل مع الفترة المقبلة في ظل انعدام الثقة في قادة الجيش الذين سعوا للانقلاب على المرحلة الانتقالية.
ويقول مراقبون “لم يعد أمام الثوار والمتظاهرين سوى مواصلة مسيرتهم كي يتنحى المجلس العسكري ويترك السلطة للسياسيين والمتخصصين في مجالات مختلفة على أن يعود الجيش لثكناته، وأن المسيرات يمكن أن تقود إلى إجباره قادته على التنحي، لأن العمل السلمي هو الوحيد الذي أدى إلى رحيل ثلاثة أنظمة دكتاتورية سابقة في السودان خلال حقب سياسية متباينة”.