هل يعجّل طول الزمن بنهاية المبادرة الأممية لحل أزمة السودان ؟
المبادرة الأممية قد تصل إلى نهايتها بسبب فشلها في إحداث اختراق حقيقي في الواقع السوداني.
العرب اللندنية – ما زالت الأزمة في السودان مستمرة، منذ إعلان البعثة الأممية في فبراير الماضي عن ختام المشاورات الأولية التي قادتها خلال الفترة الماضية مع أطراف الأزمة في البلاد.
وفي الثالث عشر من فبراير أعلنت بعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس)، بعد يوم واحد من ختام المشاورات، عزمها إعداد “وثيقة موحدة” تشمل نقاط التوافق والاتفاق بين الأطراف السودانية.
وقالت البعثة في بيان آنذاك إن “المرحلة الأولى للمشاورات اختتمت برؤى ملهمة لأصحاب المصلحة السودانيين على الطريق إلى الأمام”، لتعلن بعدها بأيام في بيان آخر عن تقرير ملخص للمشاورات، التي شملت 110 اجتماعات تشاورية مع أكثر من 800 مشارك.
ونشر التقرير موضوعات المشاورات التي تناولتها البعثة مع الأطراف السودانية، وضمت 14 موضوعا أبرزها الأولويات الملحة وإجراءات التهدئة وحالة الوثيقة الدستورية 2019 والعلاقة بين المدنيين والعسكر.
ومنذ انطلاقها تحددت أهداف المشاورات الأممية في وضع حد لجمود العملية السياسية، والعودة إلى المسار الديمقراطي والمدني، فضلا عن التوصّل إلى اتفاق تشكيل حكومة بقيادة مدنية تدير ما تبقى من المرحلة الانتقالية.
ومضت البعثة في مبادرتها لحل الأزمة السياسية في البلاد واضعةً هدفا هو التوصل إلى اتفاق بين الأطراف السودانية -العسكرية والمدنية- لإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية، وصولا إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
ورغم الرفض الذي لقته المبادرة -منذ انطلاقها في الثامن من يناير الماضي- من قبل قوى سياسية ومجتمعية واصلت البعثة المشاورات.
وأعلنت البعثة مرارا أن عدم مشاركة القوى الرافضة للمبادرة في المشاورات لا يعني عدم مشاركتها مستقبلا.
وفي يونيو 2020 أنشأت الأمم المتحدة بعثة “يونيتامس” للمساعدة على إنجاز عملية الانتقال السياسي في السودان ودعم عملية السلام والمساهمة في حماية المدنيين خاصة في إقليم دارفور (غرب).
وانخرطت قوى سياسية ومنظمات مدنية وطرق صوفية في مشاورات الأمم المتحدة بهدف إيجاد حل للأزمة السودانية. فيما أبدت قوى أخرى معارضتها “للتدخل الأممي في الشأن السوداني”، وهي قوى اتهمت بالارتباط بحزب “المؤتمر الوطني” (حزب الرئيس المعزول عمر البشير).
لكن هذه القوى نفت صلتها بحزب البشير، وعلى رأسها “تحالف الحراك الوطني” الذي تأسس في ديسمبر الماضي من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمعية بهدف “تحقيق الوفاق الوطني”.
كما نفت قيادة “تحالف الحراك الوطني” اتهامات لها بالتنسيق مع المكون العسكري في السلطة، عقب تصريح رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي” بأن المبادرة الأممية تسهل الحوار وليست وسيطا بين الأطراف السودانية.
وقال القيادي في التحالف جمعة بشارة أرو بخصوص هذا الأمر “نحن سبقنا مجلس السيادة وليس لدينا تنسيق أو ترتيب معهم، هذا عمل سياسي وعمل وطني معلن منذ فترة”.
وفي الثالث عشر من فبراير صرح البرهان بأن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة فولكر بيرتس “وسيط يدعو الجميع إلى الحوار ولا يحق له تقديم مبادرة (…)، ينبغي على فولكر العمل على تهيئة البيئة للانتخابات وهذه مهمته الأساسية”.
وتواجه المشاورات الأممية في السودان انتقادات عديدة، بدءا من ماهيتها (هل هي وساطة أم مبادرة؟) ووصولا إلى منهجية العمل التي تعمل بها (لم تحدد الأطراف المعنية بالمشاورات).
وأعلنت البعثة سابقا أنها استمعت لكل الأطراف السودانية من قوى سياسية وحركات مسلحة، ومنظمات المجتمع المدني والإعلاميين والمنظمات النسوية وغيرها.
أمير بابكر: البعثة الأممية لم تقدم مبادرة بالمعنى الكامل، بل طرحت عقد مشاورات حتى يتم الاتفاق على الأجندة من قبل السودانيين
واعتبر البعض أن المشاورات الأممية “فضفاضة”، ولم يتم تحديد القوى المدنية التي ستنخرط في أي مفاوضات مستقبلية حال تم التوصل إلى نقاط مشتركة.
ويضاف إلى هذا طول أمد المشاورات الذي تجاوز الخمسين يوما، ما يعني أنها تتجاهل عامل الزمن وأهميته في التوصل إلى حل لأزمة البلاد التي أكملت شهرها الرابع.
وبحسب مراقبين قد تصل المبادرة الأممية إلى نهايتها قريبا لأنها لم تحدث اختراقا حقيقيا في الواقع السوداني، سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو تعلق بحراك الشارع، بل لم تقم حتى بتهيئة الأجواء ليكون هناك حوار جدي بين الأطراف السودانية.
وهذا بالنظر إلى استمرار الاحتجاجات الشعبية المناهضة لقرارات البرهان “الاستثنائية” في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وما يقابله من عنف أسفر عن سقوط نحو 82 قتيلا والمئات من الجرحى.
ويرى المحلل السياسي يوسف حمد أن مبادرة البعثة الأممية “لن تفضي إلى شيء، لأنها في الأصل تخلت عن دورها وهو دعم التحول الديمقراطي في السودان”.
وأضاف “فولكر بيرتس (رئيس البعثة) بدلا من القيام بدوره في دعم التحول الديمقراطي المدني صمت عن انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر (إجراءات البرهان) الذي تم على حكومة مدنية يفترض به دعمها”.
وتابع أنه “يحاول الآن العودة إلى حوار بين العسكر والمدنيين، ويبدو ذلك صعبا في ظل الأوضاع الحالية”.
وأردف “فولكر يستند في محاولته لحل الأزمة على الدعم الدولي خاصة من الأوروبيين والأميركيين، الذين يريدون فقط القول بأنهم حاضرون في المشهد السوداني، دون أن يكون لهم دور فاعل في حل الأزمة”.
وبدوره اعتبر المحلل السياسي أمير بابكر أن “البعثة الأممية لم تقدم مبادرة بالمعنى الكامل، بل طرحت عقد مشاورات حتى يتم الاتفاق على الأجندة من قبل السودانيين”.
وقال “فولكر هدف من مشاوراته إلى جعل السودانيين يتواصلون من أجل أجندة هم يتحاورون حولها، أي يضعون أسسها، وليس أبعد من ذلك”.
وذكر أن “فولكر سيستمر في مهمته التي جاء من أجلها (والمتمثلة) في دعم مؤسسات الحكم المدني و(تقديم) الدعم الفني لإجراء الانتخابات، بغض النظر عن نجاح المشاورات في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية أو فشلها”. فشل أممي في حلحلة الأزمة السودانية