الكورونا والثورة السودانية المعادلة الأخيرة للنهوض فهل سيعي السودانيون الدرس؟
الكاتب : عماد الدين ميرغني
ثلاثة أشهر ونيف منذ بداية إنتشار وباء كورونا، وهاهو العالم الآن يتوقف بسبب انتشار هذا الوباء، وإيطاليا أبرز ضحايا هذه الكارثة بأرقامٍ على مستوى الوفيات بسبب المرض تخطت الصين نفسها التي بدأ عندها هذا الوباء.
ما زال العالم الآن في حالة ترقب في ظل العمل اليومي المتواصل للأطباء والمختصين في مختلف المجالات الطبية والمجالات الكيمائية لدرء هذا الوباء، وحذر وترقب للحد من انتشاره وتقليل مخاطره.
والسودان في الوقت الحالي لم يعد إستثناء كما كان في السابق، فهو الآن وبحسب الأخبار التي انتشرت في الأسابيع الأخيرة قد أعلن عن وجود حالات مؤكدة مصابة بفايروس كورونا.
لكن الجدل ما زال مستمراً بين التأكيد والنفي في ظل الإمكانيات المتواضعة للقطاع الصحي كإحدى التركات التي ورثتها هذه الدولة من النظام الدكتاتوري السابق الذي دمّر بنية الدولة في جميع مستوياتها.
سوء حظ
أما التوقيت الذي انتشر فيه هذا الفيروس يجعل السودان سيء الحظ. ففي ظل العمل المتواصل للحكومة الإنتقالية الحالية لإسعاف الدولة والوضع العام.
بدأت بعض الملامح الإيجابية بحسب ما ورد من أخبار في الأيام القليلة الماضية، من حصاد لمحصول القمح؛ وتشغيل مصنع الألبان في بابنوسة بعد توقف دام 24 عاماً، بالإضافة إلى تلك الأخبار التي تتحدث عن تصدير الذهب.
بات مشهد الواقع
هي أخبار تشير إلى فتح نوافذ الأمل للشارع السوداني بانفراج الأزمة الإقتصادية الطاحنة. لكنها سرعان ما تلاشت مع الأخبار التي تحدثت عن وصول وباء الكورونا إلى السودان من خلال حركة التنقلات عبر البر والجو من بعض الدول المجاورة.
الآن شرعت الحكومة الإنتقالية في تنفيذ حظر التجوال بهدف التقليل من زخم الحركة في مختلف الشوارع في كل مدن السودان، وتفادي حدوث الإزدحام الذي سيؤدي حتماً لانتشار الفايروس.
ويأتي هذا الإجراء في ظل العمل المكثف في مختلف وسائل الإعلام في إطار حملة التوعية لإجراءات الوقاية من المرض وضرورتها لتفادي انتشار الفايروس.
وبذلك يواجه الشارع السوداني أقوى مهدد له؛ ذلك لأنه لم يتم إكتشاف علاج فعّال له، إضافةً إلى أن القطاع الصحي في السودان غير قادر على مواجهة المرض في حال إنتشاره.
فصعوبة مواجهة المرض بدا واضحاً في الدول التي تملك قطاعات صحية أكثر بعداً من ناحية التطور. فإيطاليا بالتأكيد ليست بمستوى السودان، وهي الآن تعاني الأمرّين بسبب الإنتشار الذي حدث نتيجةً لعدم الإكتراث بخطورة هذا المرض.
وكذلك الحال بالنسبة لإيران التي تعاني هي الأخرى من انتشار الفيروس، إضافةً إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تُعتبر إستثناءً بالرغم من تسيدها للعالم على المستوى السياسي.
وبعض الدول العظمى مثل بريطانيا وألمانيا هي الأخرى تعاني في الوقت الحالي وتسعى جاهدةً لتدارك الأمر.
على الشارع الحذر
والشارع السوداني في ظل الظرف الراهن لابد أن يكون أكثر حذراً بعد كل ما حدث في الدول التي تعاني من المرض في الوقت الحالي بدرجة كبيرة.
سيما وأنه في الوقت الحالي ما زال يعاني من الضائقة الإقتصادية، وما يزيد الأمر تعقيداً أن نسبة كبيرة من الشعب يعتمدون على تلك الأشغال اليدوية والحرفية والتجارية التي يتكسبون منها بنظام الدخل اليومي (رزق اليوم باليوم كما يشاع في العامية السودانية).
هذا الحذر لا ينبغي أن يكون التفكير فيه للنجاة من المرض فحسب. فالفرد السوداني الذي نال شرف المشاركة في ثورة ديسمبر الأخيرة.
بالتأكيد يتطلع نحو الأفضل مع نمو الدولة على المستوى الإقتصادي والذي من المفترض أن يحدث خلال الفترة القادمة، خصوصاً مع تلك الأخبار الإيجابية بشأن حصاد القمح وتشغيل مصنع الألبان وتصدير الذهب التي من المفترض أن تمنح أمل النهوض مجدداً لهذا الشعب.
والأمر الإيجابي الآخر هو روح المبادرة التي كثيراً ما ظهرت لدى هذا الشعب الذي ثار في وجه النظام البائد.
فروح المبادرة التي ظهرت في اعتصام القيادة العامة وقدّمت نموذجاً للعمل الجماعي، ها هي تظهر مرة أخرى في مواجهة هذه الأزمة، متمثلة في المجموعات التي بادرت بصناعة الآلاف من العبوات المعقمات الطبية لليدين.
بالإضافة إلى جيش الأطباء الذين يعملون بكل جهد رغم صعوبة الظروف في مختلف المستشفيات التي أُعِدّت لاستقبال حالات الإصابة.
روح المبادرات هذه إذا استمرت بذات الكيفية من مختلف أفراد هذا الشعب بمختلف مستوياتهم وفي مختلف بقاع السودان؛ للعمل في مختلف القطاعات، فإنها حتماً ستكون عاملاً قوياً لنهضة الدولة وقيامها من جديد للحاق بركب العالم.
بعد الغياب الذي دام 30 عام عن ركب العالم الذي عبّر عنه محمد ناجي الأصم في اعتذاره يوم توقيع الإتفاق على الوثيقة الدستورية في السابع عشر من أغسطس في العام الماضي.
الفيروس يهدد الثورة
إذاً، ليس هنالك مهدد للثورة السودانية أكبر من انتشار هذا الفيروس، والمعادلة الحالية هي إما الإنتشار ووقوع ضحايا بأرقام كبيرة وتعطيل جديد لهذه الدولة، أو الإنحسار والمآل نحو الأمل المنشود لجموع أفراد هذا الشعب.
وهنا لو يدرك الشعب السوداني هذه المعادلة وينظر للمستقبل، فحتماً لابد له أن يتمسك بكل ما ينجيه من إنتشار هذا الفيروس للمواصلة في درب تحقيق آمال ثورة ديسمبر؛ وهو ميلاد دولةٍ جديدة ستنضم إلى ركب العالم بمظهر جديد وفريد.
والله الموفق….