خارطة طريق للخروج من الأزمة نحو صناعة المستقبل
أ.د. محمد حسين أبوصالح
▪️أدى السلوك والفعل السياسي للسلطة الإنتقالية وأجندتها إلى إنقسام وتشظي المسرح وحدوث حالة من الاستقطاب الحاد والكراهية، كما أججت السلطة الإنتقالية هذه الحالة بخطاب سياسي غير متوازن.
▪️غياب الرؤية للسلطة الإنتقالية مقروناً مع السلوك أعلاه، أدى لحالة الارتباك وتدهور الأداء ونجح في كثير من الأحيان في إيقاظ خلايا المعارضين من بعض خصومها كما أسفر عن صناعة أعداء لها.
▪️ اتفاقية جوبا تناولت قضايا جوهرية تتعلق بمصير البلد بشكل مجزأ، وتكتيكي في بعض الأحيان، وبمشاركة مشوهة، شملت أطراف غير مفوضين انتخابياً، وهي قضايا يحتاج البت فيها لتفويض انتخابي وحلول وفق رؤية استراتيجية شاملة، وهو ما يعني أن هذا النوع من الحلول لن يحقق السلام المستدام.
▪️ كثير من السياسيين وحملة السلاح والفاعلين في موطن الفعل السياسي غير قادرين على قراءة المشهد الكلي حول السودان المتمثل في وقوعه في مسرح الصراع الاستراتيجي حول المصالح بكافة محاوره، والذي إقتضى هذه المحاولات المستميتة لإعادة هيكلة السودان وترتيبه وفق مرجعيات فكرية خارجية تؤسس لمصالح الخارج أكثر من مصالحنا الوطنية، وقد تفضي لتفتيت الدولة واستباحة مواردها.
▪️ غياب الرؤية وضعف العمل المؤسسي والعقل الاستراتيجي للدولة، في ظل غياب البرلمان والمحكمة الدستورية، يسهم بشكل كبير في تمرير الأجندات الضيقة، الداخلية والخارجية ويشوه المناخ المطلوب للانطلاق نحو النهضة وجذب الاستثمار .
▪️ تم التركيز على التوجه نحو الخارج والمراهنة على أدوات النظام العالمي كحل للأزمة وتحقيق النهضة ، دون إدراك كافي لأجندات الخارج وأدواته في التنافس الدولي ودون الاعتبار بالدروس المستفادة من التجربة الإنسانية.
▪️كل الأوضاع أعلاه أسهمت في حدوث حالة الارتباك وتنامي المطالبات وبداية الانفلات الأمني وتصدع الخدمة المدنية وانفجار الأسعار وتدهور الخدمات، ثم حدوث حالة الانسداد السياسي التي قادت لبروز وسائل جديدة للتعبير تمثلت في إغلاق شرق السودان وتمتد الآن لإغلاق طريق الصادرات بارا أم درمان وطريق الشمال..، وإذا استمر الحال هكذا دون رؤية شاملة للحل، فستتدهور الأوضاع لتشمل إغلاق خط الانابيب وسد مروي والروصيرص وغير ذلك من المرافق الحيوية، وصولا للشلل، في وقت يرتفع فيه خطاب الكراهية وتتزايد فيه الاستقالات في الاجهزة النظامية ويتقلص المخزون من السلع الاستراتيجية، وهو وضع قد يتطور للحرب الأهلية وبداية تفتيت السودان، وعندها لن تنفع كراسي السلطة التي تم شغرها دون اهتمام بالفكر والتخطيط.
▪️إن موارد السودان ومزاياه الجغرافية، وطبيعة التطورات على صعيد الاقتصاد العالمي، بما في ذلك ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية، وطبيعية التحولات في التوازنات الاستراتيجية على الساحة الدولية، تفرض على السودان الدخول في حوار استراتيجي على الساحة الدولية، لكن من الخطورة بمكان إتمام ذلك دون رؤية استراتيجية تبلور مصالح السودان وتعبر عن إرادته وفلسفته.
▪️ إن السودان مؤهل لشراكة دولية كبيرة ولدور مهم في تحقيق السلم الإقليمي، وأن مفتاح النجاح لذلك هو وجود رؤية استراتيجية حاكمة، تحدد مصالحه الاستراتيجية وتؤسس لدولة النظام والقانون، إلا أن بروز ثقافة التتريس وقفل الطرق ووقف الخدمات الاستراتيجية، قد يشكل ذهنية سالبة لا تتسق مع طبيعة الاستثمار والتعاون الدولي في مستواه الاستراتيجي، مما يستوجب الإسراع في الإنصاف ورد المظالم عبر حل شامل.
▪️ قدر كبير من الارتباك الذي أصاب الساحة الوطنية نجم عن المحاولات المتعددة لتخطي الإرادة الشعبية ومخالفة مبادئ الديمقراطية من أجل تمرير أجندات ومصالح ضيقة ( خارجية وداخلية ) قد تتعثر أو تتم بشكل مغاير أو بشروط مختلفة حال وجود البرلمان الذي يعبر عن إرادة ومصالح الدولة.
▪️ نحن في حاجة لفتح صفحة جديدة، ولعله بقراءة متعمقة للتاريخ المأساوى، وبتمعن الواقع المركب، فإن السؤال المنطقي هو من يحاسب من؟ فمعظم من في الساحة تقريبا له أخطاء. والأخطاء كذلك متراكمة ومتداخلة وممتدة على مدى عقود. هذا وضع إستثنائي في تاريخ أي دولة.
▪️ نحن في حاجة للتوقف والمراجعة واستدعاء الضمير، عشرات الآلاف فقدوا أرواحهم وعشرات الآلاف ترملن وعشرات الآلاف فقدوا حنان الأبوة والأمومة، ضاعت سنوات طويلة، وستضيع سنوات طويلة إذا استمر ذات السلوك والفعل .. ومستقبل بلادنا على المحك في تحري الحكمة ويقظة الضمير.
الخطر في أعلى تجلياته:
▪️الخطر وصل لأعلى تجلياته وبات الوطن يواجه الخطر الوجودي واستباحة موارده ومقدراته.
▪️ ظلت الدولة تعاني في تاريخها المعاصر من تبعات ممارسة السلطة دون تفويض واتخاذ القرارات المصيرية دون تفويض من الشعب، نحن أحوج ما نكون للحظة صدق يتخلى فيها هؤلاء عن طموحاتهم وأجندتهم الشخصية للسماح بتأسيس فترة انتقالية راشدة تسمح بترتيب البيت وتحقيق انتقال ديمقراطي آمن يقوم فيه الشعب بتقرير مستقبله وانتخاب قادته.
الحل في نقاط :
▪️ إعادة تشكيل عضوية المجلس السيادي، على ان يكونوا بجانب عضوية العسكريين، خبراء ومهنيين وطنيين مشهود لهم بالكفاءة والخلق الكريم، يمثلون بشكل عادل أقاليم السودان المختلفة، وبما يعالج بعض القصور الموجود في إتفاقية سلام جوبا في هذا الخصوص.
▪️ تشكيل حكومة جديدة من خبراء وطنيين، تقوم بتنفيذ خطة ومهام محددة.
▪️ تلتزم السلطة الجديدة ببرنامج وطني محايد خالي من الميول الحزبية، وخطاب سياسي حكيم راشد يمنع الاستقطاب، يوحد الوجدان والمشاعر الوطنية، يعيد الأمل ويحشد الإرادة والتحدي الوطني. ويؤسس كذلك لممارسة سياسية تخدم وتصون المصالح الوطنية وكرامة الإنسان السوداني، وممارسة سياسية ترتكز على العدل والاخلاق والمعرفة والابداع.
▪️ الإلتزام بإتفاق سلام جوبا والعمل على معالجة القصور إلى حين التأسيس للحل الشامل عبر منصة الحوار السوداني وإنتاج الرؤية الوطنية.
▪️ التوجه نحو الداخل لحشد الطاقات بغرض الإنناج، وتعزيز القدرة التفاوضية الوطنية المطلوبة لتحقيق تعاون خارجي عادل.
▪️ تنظيم الحوار السوداني السوداني الشامل، الشفاف والحر حول كل قضايا الدولة وقضايا الأقاليم كافة، حوار يتناول جذور المشكلات، وعمل تحليل استراتيجي عميق، واستكتاب الخبراء ودراسة تجارب الآخرين، وإتمام عمليات مشورة وطنية للشعب السوداني عبر الدراسات الميدانية والاستفتاء، وإجراء مشورات علمية مع خبراء وعلماء السودان، حتى نتوصل لرؤية سودانية كخطة للدولة السودانية بكل ما فيها من تنوع وثراء، رؤية تعبر عن الوجدان الوطني وعن تطلعات كل ولايات السودان وتراعي حقوق الأجيال القادمة، على أن تجاز عبر البرلمان المنتخب والاستفتاء العام للشعب السوداني تعزيزاً للإرادة السودانية.
▪️ هذا الحوار وما سيفرزه من رؤية مسنودة بمشورة شعبية ومشورة علمية، مجازة من الشعب السوداني، سيلغي بشكل تلقائي كل الترتيبات السابقة لتحقيق السلام، ويؤسس لمسار سوداني سوي نحو المستقبل.
المصالحة الوطنية:
▪️ الاعتراف بأخطائنا تجاه بعضنا البعض والاعتذار لبعضنا البعض ومن ثم فتح صفحة جديدة والانطلاق نحو المستقبل عبر التسامح ومنهج التخطيط والمعرفة طالما تم التوافق حول رؤية سودانية تمنع تكرار أخطاء الماضي، وقفل صفحة الماضي وما يتعلق بها من مرارات وانتقام وتشظي وعشوائية.
▪️ العفو والتسامح العام، يفتح الباب واسعاً أمام تأسيس دولة القانون والعلم والإبداع ويقفل الباب أم التدخلات الخارجية للابتزاز الوطني.
▪️ أن يتنازل كل متضرر في المجتمع عن حقه الخاص في مقابل غاية عليا وإنسانية وهي الخروج من دائرة العنف والحروب إلى السلم والأمن الإنساني الشامل لأوجه الحياة المختلفة. ومقابل هذا التنازل المر يتوقف نزيف الدم ويتوقف العنف، وتتوقف عملية الإستقواء بالسلطة السياسية كحصانة من تحقيق العدالة، وتصان سيادة الدولة من الإبتزاز وتنحصن من التدخل الخارجي السالب بهكذا مداخل.
نقل السلطة:
▪️تنظيم إنتخابات حرة نزيهة لنقل السلطة في نهاية الفترة الانتقالية وما يتطلب قيامها من إعداد قانون الانتخابات وقانون الأحزاب وتعداد السكان .
▪️ عدم اقحام أي أجندات تحتاج للتفويض الشعبي خلال الفترة الانتقالية منعاً لتوتر المسرح الوطني وحفظاً للإرادة الوطنية ولاستقرار القترة الانتقالية، على أن يجيب الحوار السوداني على كافة القضايا الاستراتيجية لتجاز لاحقا من الشعب.
▪️ تفعيل العمل المؤسسي وتأسيس العقل الاستراتيجي للدولة، تحصيناً من الفساد والأجندات الضيقة.
تأسيس وتطوير وتعزيز الآليات اللازمة وأهمها:
▪️المنصة الوطنية (مؤتمر الحوار السوداني السوداني) ومؤتمر التسامح والمصالحة الوطنية.
▪️السلطة القضائية والنيابية المستقلة العادلة الناجزة، وإتمام فصل السلطات وتكوين المحكمة الدستورية المعطلة حالياً.
▪️ مركز التفكير والتخطيط الوطني ( العقل الاستراتيجي للدولة ) وما يتصل به من مؤسسات الإنتاج المعرفي والابتكار والابداع والمعلومات.
▪️ مفوضية النزاهة ومكافحة الفساد، وتكون كل السلطة الاتتقالية خاضعة لاختصاصاتها كما تتولى مراجعة ملفات الفترات السابقة.
▪️ سلطة التفتيش الإداري.
▪️ مفوضية الخدمة المدنية، وتتولى مراجعة الخدمة المدنية ومعالجة كل المخالفات القانونية وتتولى عمليات التعيين وفق ضوابط المواطنة والكفاءة فقط.
▪️ مفوضية الدستور، لتنظيم المؤتمر الدستوري وتولى عملية صياغة مسودة الدستور الذي يحمي المسار الاستراتيحي للدولة.
▪️ هيئة المواصفات والمقاييس، كسلطة مهنية لا يتجاوزها القرار السياسي.
▪️ المراجع العام، كسلطة مهنية لا يتجاوزها القرار السياسي.