نحن تحت الوصاية،،،هل سنتعلّم من أفورقي يا سعادة الفريق برهان
في الاقتصاد هناك قانون يسمى القانون النفسي الأساسي The Fundamental Psychological Law، يقول: إن التفاؤل في البيئة الاقتصادية يخلق مزيداً من التفاؤل، كما أن التشاؤم يؤدي لمزيد من التشاؤم. وهذا القانون ينطبق على سلوك الدول بمثل انطباقه على الأوضاع الاقتصادية. فكلما أظهرت الدولة ضعفاً قادها هذا لمزيد ضعف، إذ يسيطر الإحساس بالضعف على قيادة الدولة، فتقدم التنازل إثر التنازل.
من ناحية أخرى فقد أثبت التاريخ وأكد الواقع أن الدول العظمى تمارس الضغوط على الدول الأخرى، فإن انكسرت والَوْها بمزيد ضغوط حتى ترضخ تماماً. هذا ما عليه عملهم في كل العالم.
وقد شهد سودان ما بعد (الثورة) تكاثر المبعوثين المتدخلين في شأننا، وما ذلك إلّا لأنهم وجدوا فينا إمكانية “ركوب الفَزَرَة”. وقبل بضعة أيام جاءونا والتقوا البرهان بطريقة معروفة في العلاقات الدولية والدبلوماسية تُسمَى “التكتل الضاغط” De marche، حيث تَجَمّع مبعوثون من عدة دول إمبريالية، وذهبوا للبرهان ورغّبوه ورهّبوه. وكان أول خطأ أنه – وهو رأس الدولة – سمح لهم بالاجتماع به، وكان الأولى أن يلتقيهم وزير الخارجية أو وكيلها.
أمًا ما نشروه بعد اللقاء فمما يندى له الجبين، ويُشعرنا بالصَغَار والضّعَة والهوان، فقد تدخلوا في شأننا بطريقة لم تبقِ لنا سيادة أو كرامة.
هالني احتجاجهم على أحكام قضائية قَضَت برجوع موظفين فصلتهم ظُلماً لجنة التمكين!!! وقالوا إنهم “عبروا عن قلق بالغ إزاء إعادة تعيين أعضاء من النظام السابق” في وظائفهم
They expressed great concern about the members of the former regime once again being reinstated
وهذا موقف يَنُمُ عن انحياز كامل لما يُسمّى جماعة أربعة طويلة وقحت (الله يكرم السامعين) التي فصلت الألوف بما فيهم عمال لا حول لهم ولا قوة، بقرار سياسي وليس بقرار قضائي أو تحقيق ومحاسبة إدارية. وبهذا فهم يقولون لنا بصريح العبارة إنهم ينحازون لأربعة طويلة وقحت (الله يكرم السامعين) ليعيدوها للسلطة مرة أخرى غير عابئين بالمعاناة التي جروها على السودان إبّان حكمهم، غلاءً وفقراً وفوضى، وغير عابئين بما مارسوه من ظُلم.. يضغطون ليعيدوهم ليؤكدوا لنا أن هؤلاء ربائبنا الذين يطيعوننا ولن نرضى بغيرهم!!! كيف لا وهؤلاء الذين أطاعوهم فاستقدموا يونيتامس UNITAMS، لِتُشرف عبر فولكر على شأننا كله. وهؤلاء الذين عينوا لنا مسؤولة عن شؤون قوم لوط والسحاقيات تطالب بحقوق لهم. وهؤلاء من أباح الزنى والخمر واضطهد الإسلاميين. قالوا لنا: باختصار نحن معهم لأنهم ينفّذون حرفياً برنامج التغيير الثقافي الذي سيقضي على قيم الثقافة العربية الإسلامية السائدة في السودان.
لم تطالب تلك “الكتلة الضاغطة” من المبعوثين، بتهيئة الأوضاع لقيام انتخابات ليختار فيها الشعب ممثليه وتحقيق الديمقراطية، بل إن ممثلهم المقيم ڤولكر يصرح ضد قيام الانتخابات قريباً!!! لأنهم يعلمون أن الانتخابات لن تتمخض عن فوز أحبابهم، وهذا ما شهد به خالد عمر (الشهير بسلك) جهاراً، ورغم ذلك يصدعوننا بالحديث عن الديمقراطية. ولا أستبعد من سادتنا هؤلاء أن يسنّوا لنا قانون انتخابات خاص يستثني من لا يطيع ولا يُغريه ذهب المعز، ولا يُخيفه سيفه.
وحتى في زمن حكم زبانيتهم لم يجزلوا لنا العطاء ولم يأبهوا لتدهور أوضاعنا الاقتصادية التي خلقها الأحباب. كانت مِنَحهم بضع عشرات ملايين الدولارات، ولم يرفعوا عنا العقوبات الاقتصادية عملياً وفعلياً.
في بيانهم بان طغيانهم ولم يواروا عنجهيتهم. أتُراهم يستطيعون أن يفعلوا ذلك مع أفورقي.
في جوارنا دولة أريتريا، وهي أضعف من السودان في كل شيء. إلّا قوة رئيسها أفورقي المعتد بنفسه، جَنّبَه عبث الدول الكبري، فأفورقي يعلم أنه “من يَهُن يسهل الهوان عليه”!!! طرد أسياس أفورقي الأمم المتحدة عن بكرة أبيها من أريتريا دون أن يطرف له جفن، وقال إن ممثليها لا خير فيهم، وأن “كل ما يمكن أن يفعلوه هو تحويل الأريتيريات إلى عاهرات” هكذا بالحرف الواحد. ورغم دكتاتوريته لم يستطع خواجة أن يتدخل في شأن بلده.
بالطبع لن أبالغ فأطالب أن تفعل قيادة السودان بما فعله الرئيس التركي أوردغان الذي طرد عشرة سفراء غربيين جملةً بقرار واحد، وذلك حين تجمعوا في De marche يحتجون على اعتقال تركي قحاتي ( الله يكرم السامعين ) يسمى عثمان كافالا. وكافالا القحاتي ( الله يكرم السامعين ) إعتقل في جريمة بواسطة أجهزة العدالة بصورة قانونية . ولم يقبل أردوغان منهم إلّا أن يعتذر كل واحدٍ منهم منفرداً وكتابةً. لا، لن أطلب ذلك فذلك أمرٌ بعيد المنال!
وحين يضعُف الحاكم ينسحب ضعفه كالعدوى على من حوله وعلى مُمَثّليه. وهنا تُرْوَى قصة السفير عبد الله الأزرق وذلك حين كان سفيراً بلندن. وقتها دخل أربعة خواجات السودان من بينهم بريطاني، متسللين عبر منطقة هجليج واعتقلتهم القوات المسلحة. استدعي السفير الأزرق على جناح السرعة للخارجية البريطانية، ولإعطائه انطباعاً أن الحكومة البريطانية مستاءة لاعتقال أولئك الخواجات التقاه مدير الإدارة الأفريقية، بدلاً من مسؤول السودان بالخارجية. دافع السفير عن صواب إجراءات حكومته باعتقال من تسلل دون تأشيرة، ودار جدل بينه والمسؤول البريطاني، وفي آخر اللقاء ضاق البريطاني من دفاع السفير فقال له بلهجة تخلو من قواعد الأدب الدبلوماسي، بل بطريقة فَجّة آمِرَة: “يجب أن تطلقوا سراح هؤلاء الناس اليوم” You have to release these people today، فلم يتردد السفير في الرد عليه بقوله: لقد غادر الحاكم العام السودان في عام 1956 يا صاحب السعادة Mind you , your excellency ; the Governor General had left Sudan in the year 1956. تقول الرواية إن وجه الدبلوماسي البريطاني احمرَّ غضباً، لكنه لم يحر جواباً.
لم يجد السودان من هؤلاء المتدخلين دعماً يقيل عثرة اقتصاده، بل وجد منهم انحيازاً لشرذمة قليلين تخاف الانتخابات، ووجد تعليمات وتوجيهات ووعوداً جوفاء، ووعيداً ملتهباً.
معضلة السودان الآن لم تعد قاصرة على الجوع والغلاء والمرض وانعدام الأمن، فقد انضافت لها “وصاية” Trusteeship كاملة الأركان. لقد ذهبت سيادتنا أدراج الرياح يا سيدي الفريق.
دكتور ياسر أبّشر