أبوهاجة : لأول مرة بعد عهد ملك النوبة يتوحد السودان في دولة واحدة
المتحفظون على تحقيق التوافق الوطني السياسي يذهبون إلى أنه من المستحيل أن يحدث توافق بنسبة مئة في المئة، فذاك أمر صعب رغم أنه غير مستحيل، لكن هؤلاء ينسون صفحات مشرقة ومحطات ومواقف مشرفة شهدها التاريخ السوداني في زمان لم تكن فيه وساطات ولا مؤسسات دولية خارجية، وليس بعيداً أن يعيد التاريخ نفسه إذا صفت القلوب ونزع ما فيها من غل.
ليس بوسع أي جهة كانت أن تقول لأخرى اخرج من السودان فإنك رجيم، والمشروعات الوطنية الضخمة التي تغير سير الصراع وحركة التاريخ تحتاج إلى صدق وعزم وقبول ورضا حقيقي حتى وإن كان “شيلاً فوق الدبر” دونما ميل.
عودة إلى المواقف التاريخية نقول أنه لأول مرة بعد عهد ملك النوبة، يتوحد السودان في دولة واحدة أي الدولة السودانية التي شملت مساحة شاسعة في ظروف جديدة وهذه المنطقة شملت قيام الحلف الفونجي العبدلابي في إطار وحدة سودانية، وأن هناك عدة عوامل أدت إلى قيام هذا الحلف الفونجي العبدلابي تتمثل في الجوانب الإقتصادية والأمنية والدينية والسياسية والثقافية والإجتماعية، نعم لقد حققت وحدة عظيمة في تاريخ السودان بين الفونج والعبدلاب بقيادة كل من عمارة دنقس وعبد الله جماع في تلك الدولة التي نشأت على قرار مملكتي المقرة وعلوة في الفترة من 1504-1821.
كذلك يذكر التاريخ أن تحرير الخرطوم في 26 يناير 1885 كانت الوحدة السودانية في أوجها، فلقد شارك السودانيون بكل قبائلهم وطوائفهم وعشائرهم وكياناتهم الإجتماعية، شاركوا في أكبر حدث عظيم في القرن الماضي بتحرير مدينة الخرطوم، ومن نافلة القول أن المهدية كفكرة استطاعت أن تحدث حراكاً سياسياً وإجتماعياً وثقافياً عظيماً وحدت كل السودانيين تحت راية واحدة.
ومن المواقف أيضاً والمحطات الإثنين 19 ديسمبر 1955 هذا اليوم الخالد الذي تقدم فيه عبد الرحمن محمد إبراهيم دبك نائب دائرة بقارة نيالا بخطاب للحاكم العام، والذي تحدث فيه نيابة عن أعضاء مجلس النواب بالبرلمان، وأعلن بإسم شعب السودان أن السودان أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة، حيث تقدم بهذا الطلب العظيم في تلك اللحظة التاريخية بعد أن اجتمعت كلمة الشعب السوداني المجيد على الاستقلال الكامل والسيادة للسودان ممثلاً في إلتقاء السيدين الجليلين وتأييدهما.
تلك أيضاً كانت محطة مهمة اجتمع فيها السودانيين عندما أعلنوا الاستقلال من داخل البرلمان، وهنا أيضاً لابد من الإشارة إلى الثورات العظيمة، ثورة أكتوبر و ثورة رجب أبريل المباركة وثورة ديسمبر المجيدة.
كل هذه محطات ومواقف تشير إلى أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه، فالإنسان هو نفس الإنسان والشخصية السودانية هي نفس الشخصية السودانية، لذلك ليس ببعيد أن يحدث ذلك.
الحق أن حكومة التكنقراط والكفاءات لايمكن أن تقوم على جرف هار وأرضية هشة بلا إتفاق ولا وفاق لكن الخيار والأفضل أن تقوم على أرضية صلبة وتعاون على البر والتقوى وضمير حيي يستشعر الخطر.
إن التنازع الذي ينشب بين المكونات من الأفضل أن يوجه للوحدة والإتفاق.
لابد من الاصطفاف الوطني حول واقع جديد، واقع يحول الأزمة الحالية إلى إنفراج واستقرار وسلام وأمن، وأن الرك كله على الخيار الوطني والحل السوداني السوداني.