أزمة سد النهضة : استعداد سوداني لسناريو الملء الثاني
مع بدء العد التنازلي للملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي المقرر في يوليو المقبل، اشتدت حمى التصريحات بين مسؤولين سودانيين وإثيوبيين، ففي الوقت الذي أكدت فيه الخرطوم أن أديس أبابا بدأت فعلياً التعبئة خلال الاسبوع الأول من هذا الشهر، نفت الثانية واعتبرت أن تصريحات السودان مضللة وتستهدف إرباك الجميع.
وفي الأثناء، تمضي خطوات فنية وسياسية ودبلوماسية وقانونية تحسباً لتنفيذ إثيوبيا تهديداتها ببدء الملء في موعده أحادياً.
مخاوف
وتسود في السودان مخاوف جدية حال أقدمت إثيوبيا على تخزين «13.5» مليار متر مكعب من المياه كما هو مخطط خلال خريف هذا العام قبل التوصل الى اتفاق ملزم حول قواعد الملء والتشغيل.
ووفقا لمسؤولين سودانيين فإن قلق الخرطوم بشأن مفاوضات سد النهضة حقيقي للغاية لكون المخاطر التي يتعرض لها فورية وكارثية واتضحت من خلال تخزين «5» مليارات متر مكعب، عندما قامت إثيوبيا ومن جانب واحد وبدون إخطار أحد بالملء الأول مما تسبب بانخفاض مفاجئ في منسوب المياه على طول النيل الأزرق ونقص في إمدادات مياه الشرب لمدة ثلاثة أيام مما أدى إلى أزمة مياه خانقة بالعاصمة الخرطوم.
أدلة حقيقية
وقالت الخرطوم إن لديها أدلة فنية تشير إلى أن أديس أبابا شرعت فعلياً في الملء الثاني خلال الأسبوع الأول من مايو الحالي.
وأوضح مصدر حكومي رفيع لـ«التغيير»، أن حجز المياه في الممر الأوسط، يعني فعلياً بداية التخزين.
ولفت إلى أن أديس أبابا ترغب في وضع الخرطوم والقاهرة أمام الأمر الواقع كما حدث في الملء الأول.
وأكد المصدر تمسك السودان بموقفه في توقيع اتفاق قانوني وملزم بشأن الملء الثاني والتشغيل يمكنه من ضمان سلامة منشآته المائية.
بالمقابل، أشار المصدر إلى أن الخرطوم لاتزال تعكف على دراسة ما يسمى بالاتفاق الممرحل أو المجزأ بين الدولتين ولكن وفقاً لجملة شروط ستطرح في حينها.
وكان كبير المفاوضين السودانيين في مفاوضات سد النهضة مصطفى حسين، ذكر خلال تنوير صحفي قبل أيام، أن أديس أبابا شرعت فنياً في التعبئة الثانية.
ورجّح أن يكتمل الملء في يوليو وأغسطس المقبلين، مخلفاً آثار بيئية وإجتماعية على السودان.
وكشف عن رفض الخرطوم لطلب إثيوبي، بإيفاد ممثل يقف على فتح بوابات السد لتصريف ما بين «600» إلى مليار متر مكعب من المياه، لكون ذلك موافقة ضمنية منها بشرعية الملء الثاني وهو ما يعترض عليه السودان قبل التوصل لاتفاق.
من جهته، سارع وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي إلى النفي عبر رسالة نصية من العاصمة أديس أبابا وقال: «هذا ليس صحيحاً».
وأضاف: «تصريحات المسؤولين السودانيين هي تصريحات مضللة متعمدة تستهدف إرباك الجميع»- على حد قوله.
المخاوف العميقة من تبعات الملء الثاني دفعت وزارة الري والموارد المائية في السودان إلى اتخاذ خطوات حثيثة فنياً وسياسياً ودبلوماسياً وقانونياً، لمجابهة خطط إثيوبيا الرامية للبدء في المرحلة الثانية وامتصاص الأضرار المحتملة.
في الجانب الفني قامت الوزارة بملء خزاني الروصيرص وجبل أولياء وإجراء تعديل في مواعيد الملء والتفريغ وتحديث المعلومات التي يتم التحصل عليها عبر الستلايت وتمليكها لقطاعات الكهرباء والزراعة ومحطات مياه الشرب على طول النيل الأزرق ونهر النيل من عطبرة وحتى الخرطوم، بجانب خطط أخرى لتجنب أخطار الفيضان الذي ضرب البلاد العام السابق أو أي انحسار مفاجئ للمياه تنتج عنه خروج محطات مياه الشرب من الخدمة.
ومع ضيق الوقت المتبقي، تخوض الخرطوم سباقاً مع الزمن للضغط على إثيوبيا، وتأكيد ضرورة توقيع اتفاق عادل ملزم يحفظ حقوقها المائية وحياة نحو «20» مليون سوداني، قبل الملء الثاني بنحو شهر.
وحسب متابعات «التغيير»، تجري وزيرة الخارجية د. مريم الصادق المهدي حالياً، جولة خارجية إلى النيجر وغانا ونيجيريا لشرح موقف السودان من سد النهضة الإثيوبي، بجانب زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك إلى جنوب أفريقيا في يونيو المقبل بذات الخصوص، وذلك في إطار التحركات الدبلوماسية للتوصل إلى حل عادل بشان قواعد الملء والتشغيل.
قانونيا، علمت «التغيير» من مصادرها أن المسار القانوني مكتمل وفي انتظار إشارة من القيادة السياسية، وأن هناك تنسيقاً دبلوماسياً بشأن هذا الأمر بين الخرطوم والقاهرة يتمثل في اللجوء إلى مجلس الأمن مجدداً في ظل وساطة الاتحاد الأفريقي.
مصاعب
رغم تعدد المبادرات إلا أن أزمة سد النهضة ما زالت عصية على الحل، وينتظر أن يحل المبعوث الأمريكي لمنطقة القرن الأفريقي جيفري فليتمان، ضيفاً على الدول الثلاث في يونيو المقبل، في زيارة ثانية بعد زيارته الأولى التي شملت الخرطوم، القاهرة، أديس أبابا وأسمرا.
وأشار مصدر حكومي إلى أن السودان لم يتسلّم أي مبادرة مكتوبة حتى الآن، وما يجري حالياً عبارة عن «تحسس»، وتوّقع أن يطرح فليتمان في زيارته المرتقبة مبادرة مكتملة الأركان.
ويأتي الملء الثاني في خضم التوترات العسكرية على الحدود بين السودان وإثيوبيا بمنطقة الفشقة، والذي تسبب في زيادة الشقة بين الخرطوم وأديس، مقابل تقارب بين الخرطوم والقاهرة يتضح جلياً في المناورات المشتركة بين القوات المسلحة السودانية ونظيرتها المصرية والتي أطلق عليها اسم «حماة النيل» الأمر الذي اعتبره مراقبون رسالة واضحة لإثيوبيا.
وحسب الباحث والمهتم بشؤون القرن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس، فإن الخرطوم لا تربط الفشقة بسد النهضة إذ أن القضيتين مختلفتين تماماً، لأنه عملياً ليس هناك خلاف حول المنطقة والحدود محسومة ولكن هناك اختلاف حول السد وكيفية التعامل مع قضايا فنية وقانونية.
وأشار إلى أنه بعد سحب الإمارات لمبادرتها تحت إصرار السودان بأن تتم عملية وضع علامات الحدود أولاً، لم يعد لها وجود.
عموماً، إلى حين طرح مبادرة مكتملة الأركان أو التوصل إلى اتفاق قبل يوليو المقبل، تظل كل المخاوف قائمة تجاه الملء الأحادي، مع وضع الاحترازات القانونية والسياسية والدبلوماسية والفنية من جانب الخرطوم للسيناريوهات كافة.