أزمة شرق المتوسط.. صراع محتدم بين أنقرة وأثينا وليبيا بينهما
ألقت تركيا واليونان هذا الأسبوع بكامل ثقلهما الدبلوماسي في ليبيا، في خطوة قال مراقبون إنها ليست بمعزل عن التنافس الذي تخوضه الدولتان في شرق المتوسط، وتمثل ليبيا إحدى ساحاته، حيث تتحرك اليونان للإطاحة باتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها حكومة الوفاق مع تركيا في نوفمبر 2020، بينما تكافح أنقرة للحفاظ على صلاحية هذه الاتفاقية وتثبيتها.
التنافس والنزاع بين تركيا واليونان في ليبيا، ظهر جليا خلال هذه الأيام، بزيارات مهمة قام بها وزير الخارجية اليوناني نيكوس دينياس إلى مدينة بنغازي لافتتاح قنصلية لبلاده، وذلك بعد أسبوعين من زيارة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس إلى العاصمة طرابلس، كما يتوقع أن يصل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي خلال الساعات القادمة إلى اليونان.
وأطلق المسؤولون اليونانيون من داخل ليبيا تصريحات استهدفت تركيا وعبروا عن رفضهم “الاتفاقيات غير القانونية التي أبرمتها حكومة الوفاق مع تركيا”، في إشارة إلى الاتفاق البحري المثير للجدل الموقع شهر نوفمبر عام 2020، كما طالبوا صراحة باستئناف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا.
وقوبل النشاط الدبلوماسي اليوناني في ليبيا، الذي يبدو أنه يستهدف منافسة النفوذ التركي في ليبيا والمتوسط، بتحركات مماثلة من أنقرة التي سارعت باستقبال رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة ونصف أعضاء حكومته، للدفاع عن صلاحية وقانونية اتفاقياتها مع ليبيا ومحاولة تثبيتها لضمان استمراريتها، خاصة بعد إعلان الدبيبة استعداد بلاده “استئناف المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا واليونان لتحديد المنطقة الخالصة لكلا البلدين”، خلال محادثاته مع رئيس وزراء اليونان ميتسوتاكيس.
وفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي الليبي فرج فركاش أن رئيس وزراء اليونان، الذي طالب بإلغاء الاتفاقية البحرية بين تركيا وليبيا واعتبرها غير شرعية، مستندا على موقف المجلس الأوروبي، يعبّر عن خشية أثينا من التوّسع التركي في المتوسط وتزايد عداوة الأتراك لبلده، كما أنّ أثينا قلقة من هذه الاتفاقية، لأنها تشعر بخسارة المساحات البحرية التي كات تسيطر عليها.
توتر بين أنقرة وأثينا
وأشار إلى أنّ رد رئيس الحكومة الليبية الدبيبة على طلب اليونان كان دبلوماسيا وركز على ترسيم الحدود مع جزيرة كريت دون التطرق لاتفاقية ليبيا مع تركيا، الذي سبق وأعلن نيته في الإبقاء عليها، مرجحا أنها لا تخضع للمراجعة في الوقت الحالي، خاصة أن خارطة الطريق المتفق عليها في ملتقى الحوار السياسي لا تجيز للحكومة الحالية المساس بأي اتفاقيات موقعة، كما جاء في نص الفقرة 10 من المادة السادسة.
ومنذ أشهر، تشهد العلاقة بين أنقرة وأثينا توترا ساخنا، حيث تتهم الأخيرة تركيا بتنفيذ أنشطة تنقيب غير قانونية في مياه شرق المتوسط لا تزال محل خصام بين الطرفين، فيما تسعى تركيا لبسط نفوذها على عدة مناطق غنية بالثروات في خطوات قوبلت بإدانات أوروبية ودولية.
في السياق ذاته، اعتبر المتحدث الرسمي باسم المبادرة الوطنية الليبية، محمد شوبار، أن التحركات الدبلوماسية في ليبيا والنشاط الغربي المكثّف يندرج في إطار التنافس على التواجد اقتصاديا في ليبيا، مضيفا أن اليونان لا تتحرك بمعزل عن توجهات دول الاتحاد الأوروبي الهادف لخلق ضغط اقتصادي لتركيا والحد من نفوذها في ليبيا.
وأضاف شوبار، أن مطالبة اليونان بإلغاء اتفاقية الحدود البحرية الموقعة بين حكومة الوفاق وتركيا، هي أحد مظاهر التدخل في الشأن الداخلي للدولة الليبية، لكن ذلك لا يعني حسب رأيه التغاضي عن هذه الاتفاقية أو الاتفاقيات والمعاهدات الأخرى التي تم توقيعها منذ 2011، مؤكدا أنّه يجب إعادة النظر فيها ومراجعتها، لأن توقيعها لم يتم في ظروف طبيعية، وكان تحت ضغوط سياسية كبيرة على الدولة الليبية في ظل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وتابع شوبار أن الاتفاقية الليبية التركية المتعلّقة بترسيم الحدود البحرية، هي من الاتفاقيات التي ينبغي إعادة مراجعتها بحيث يكون معيار مراجعة مثل هذه الاتفاقيات هو مصلحة الشعب الليبي.
وأبرمت أنقرة الاتفاقية البحرية مع حكومة الوفاق الليبية السابقة، عندما واجهت الأخيرة هجوما عسكريا لقوات الجيش الليبي، لكنّها لم تحظَ باعتراف البرلمان الليبي والدول الأخرى المطلّة على البحر المتوسط.