استراتيجية حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في مكافحة الفساد على المحك
يواجه المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم لجنوب إفريقيا معركة داخلية يبدو أن لا مفر منها بعدما تجاهل أمينه العام إلياس ماغاشولي مهلة حددها له الحزب للاستقالة على خلفية اتهامات بالفساد.
ومُنح ماغاشولي الملقّب “أيس” مهلة شهر انقضت في 30 آذار/مارس للاستقالة بعدما اتُّهم باختلاس أموال عامة عندما كان رئيس وزراء مقاطعة فري ستيت، وهو أمر ينفيه.
وسيشكّل مصيره اختبارا لتعهّد المؤتمر الوطني الإفريقي تحسين صورته في ما يتعلّق بالفساد وإعادة إحياء الثقة في هيئات الحكم في جنوب إفريقيا وكسب التأييد للحزب مجددا في صناديق الاقتراع.
ويشير محللون إلى أن هذه الاستراتيجية قد تنجح أو تخفق بناء على مصير ماغاشولي (61 عاما) المعروف بقوة شخصيته ونفوذه.
وقال استاذ العلوم السياسية ماكيبيسي ندليتيانا “لأول مرة يكون المؤتمر الوطني الإفريقي على وشك طرد أمينه العام. لم يحصل ذلك قط في التاريخ”.
وتلامس قضية ماغاشولي تاريخ وجوهر الحزب الذي أنهى نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وحكم البلاد منذ أول انتخابات ديموقراطية جرت عام 1994.
وفي ظل تسلسل هرمي مغلق، علت رتبة ماغاشولي شيئا فشيئا، بدءا من مقاطعته فري ستيت (وسط) ليبني شبكة من الداعمين على مدى مسيرته.
– حقبة زوما –
شهد مطلع الألفية لحظة حاسمة عندما أصبح ماغاشولي أهم المقرّبين سياسيا لرئيس جنوب إفريقيا السابق الذي طالته الفضائح جاكوب زوما.
وقال المحلل السياسي أونغاما متيمكا “فتح صعود زوما الطريق للتخلي عن المعايير السائدة عندما يتعلّق الأمر بشروط القيادة في الحزب”.
وأشار ندليتيانا إلى أنه في عهد زوما، كان يسمح لمسؤول فاسد “باستخدام موارد الحزب كما يشاء طالما أنه أدى فروض الطاعة للرئيس.. للملك”.
وذكر تقرير بحثي عام 2017 نشر تحت عنوان “خيانة العهد: كيف تجري سرقة جنوب إفريقيا” اسم ماغاشولي كواحد من مجموعة من شخصيات “النخبة” التي بنت شبكات محسوبيات مستفيدة من التوزيع غير الشرعي للميّزات في عهد زوما.
وترتبط التهم الموجهة لماغاشولي بأموال عامة خُصّصت لإدخال تعديلات على المنازل الحكومية التي تضم أسقفا من الحرير الصخري عام 2014. بقيت الأسقف المصنوعة من المادة الخطيرة في مكانها فيما يعتقد محققون بأنه تم نهب مبلغ يتجاوز 12 مليون دولار في إطار المشروع.
وأوقفت السلطات ماغاشولي لمدة وجيزة في تشرين الثاني/نوفمبر وخرج من السجن بكفالة بينما يواجه تهما بالفساد. ومن المقرر أن يمثل أمام محكمة عليا في آب/اغسطس.
– إنقاذ “روح” الحزب –
ولحزب المؤتمر الوطني الإفريقي تاريخ طويل في وعود مكافحة الفساد في صفوفه ومليء بالعثرات. عام 2017، قضت اللجنة التنفيذية الوطنية (هيئة صنع القرارات داخل الحزب) بأنه على أي عضو أو قيادي توجّه له اتهامات جنائية أن يستقيل طوعا وإلا فسيتم طرده.
لكن لم تفعّل هذه القاعدة حتى العام 2020 وكلّفت خليفة زوما المكافح للفساد سيريل رامافوزا عامين من الإحباطات.
وأثارت سلسلة فضائح فساد تورط فيها مسؤولون في الدولة على صلة بفيروس كورونا غضبا شعبيا.
وكانت الناطقة باسم الرئاسة كوسيلا ديكو ووزير الصحة على مستوى إحدى المقاطعات بانديل ماسوكو من بين كبار الشخصيات التي وجّهت لها اتهامات وأقيلت.
وأفاد متيمكا أن استراتيجية الإقالة تعد بمثابة “معركة للمحافظة على روح حزب المؤتمر الوطني كمنظمة نزيهة وأخلاقية”.
ويرى وغيره أن الحزب منقسم بين أنصار زوما، الذي تتواصل إجراءات ملاحقته القضائية بتهم الفساد منذ سنوات، وأولئك الداعمين لرامافوزا.
وقال متيمكا إن ماغاشولي الموالي لزوما “عارض ترسيخ السلطة في أيدي الرئيس الجديد”.
وحذّر من أن رامافوزا سيكون “ضعيفا” طالما بقي الأمين العام في منصبه.
وتابع “لا خيار لدى الحزب سوى أن يصبح أكثر حساسية تجاه التصورات العامة لنزاهته وبالتالي عليه التصرّف بطرق تؤكد.. التزامه مكافحة الفساد والجريمة”.
ولدى إدلائه بشهادته أمام لجنة قضائية تحقق في تهم نهب أموال الدولة في عهد زوما، أكد رامافوزا الأربعاء أن المؤتمر الوطني الإفريقي عازم على وضع حد “للتجاوزات التي حصلت”.
لكن بعض المراقبين يشككون في الأمر ويشيرون إلى احتمال تأخير إقالة ماغاشولي إلى ما لا نهاية.
وصرّح مسؤول الخزانة في الحزب بول ماشاتيلي لوسائل إعلام محلية الأسبوع الماضي أن توقع استقالة ماغاشولي مجبرا مع انقضاء المهلة ليس إلا مقاربة “مبسطّة للغاية”.
بدوره، أكد الناطق باسم الحزب بيول مابي لفرانس برس أن مناقشة مصير ماغاشولي ستتم بعد تلقي اللجنة التنفيذية الوطنية قائمة بأسماء “الرفاق” الذين “قد يتأثّرون” بقرار الاستقالة.
وحذّر زعيم حزب التحالف الديموقراطي المعارض جون ستينهويسن هذا الأسبوع من أنه “إذا سمحوا ببقاء ماغاشولي في منصبه، فسيكون ذلك بمثابة مسمار آخر في نعش مصداقية المؤتمر الوطني الإفريقي”.