الأزمة السياسية بتونس وسط حراك دبلوماسي لرئيس البرلمان وقلق أميركي أوروبي
وسط حراك دبلوماسي لرئيس البرلمان وقلق أمريكي أوروبى وفي وقت تراوح فيه أزمة التعديل الحكومي مكانها في تونس، وسط تبادل الاتهامات بين رئيس الجمهورية والبرلمان والحكومة، دخل سفراء دول أجنبية على خط الأزمة السياسية، مما فتح باب الجدل واسعا حول خلفيات هذا الحراك الدبلوماسي وأهدافه.
وشهدت الأيام القليلة الماضية نشاطا مكثفا من سفراء دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الذين تنقلوا بين القصور الثلاثة (قرطاج والقصبة وباردو)، وعبروا بشكل صريح عن انشغالهم العميق لانسداد أفق الحوار السياسي في البلاد وغياب الاستقرار الحكومي.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد أثار الجدل إثر اجتماعه بسفراء الاتحاد الأوروبي، حين تطرق لأزمة التعديل الحكومي، مشيرا أمام الحضور إلى أن الاستقرار السياسي لا علاقة له بعدم الاستقرار الحكومي.
حراك رئيس البرلمان:
بدوره، خلف لقاء رئيس البرلمان راشد الغنوشي مع السفير الأميركي دونالد بلوم لغطا واسعا أيضا، بعد حديثه أمام السفير عن أزمة التعديل الحكومي وشرعية الحكومة الحالية التي لا يزال رئيس الجمهورية يرفض أداء وزرائها اليمين الدستورية أمامه. وعبّر سفير الاتحاد الأوروبي في تونس ماكوس كورنارو -في تدوينة على حسابه في فيسبوك- عما قال إنه “قلق من تواصل المأزق السياسي والمؤسسي الذي تمر به البلاد”، داعيا الجميع إلى تغليب منطق الحوار الهادئ والمسؤول لحل الأزمة وتذليل الصعوبات.
وفي السياق ذاته، كشف السفير الألماني بيتر بروغل خلال لقائه رئيس البرلمان راشد الغنوشي، عن أمله في أن تتجاوز تونس “حالة الانسداد السياسي”، داعيا مجلس نواب الشعب لأن يسهم في تذليل الصعوبات عبر تطوير النصوص القانونية والتشريعات.
ومن جهته، حث الغنوشي -خلال لقائه السفير الألماني- على مواصلة بلاده دعم التجربة الديمقراطية الناشئة في تونس، مشيرا لضرورة استكمال إرساء المحكمة الدستورية وتنقيح القانون الانتخابي كشرط أساسي لضمان الاستقرار السياسي.
حراك طبيعي:
وقال وزير الخارجية الأسبق القيادي في حركة النهضة رفيق عبد السلام -للجزيرة نت- إن الحراك الدبلوماسي الذي تعيشه تونس متوقع وطبيعي، في ظل الأزمة السياسية الحالية وغياب الثقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وشدد على أن ما يجري في تونس ليس شأنا محليا، ويعد محط أنظار ومتابعة جميع الدول الصديقة بالنظر إلى امتداد تونس في محيطها الإقليمي، مشددا على أن الحل يجب أن يكون تونسيا صرفا للخروج من الأزمة حتى وإن كان مدعوما من الأطراف الدولية.
وبشأن الانتقادات التي طالت رئيس البرلمان إثر لقائه السفراء الأجانب واتهامه من خصومه بالاستقواء بهم، اعتبر عبد السلام أن نشاط الغنوشي يتنزل ضمن الدبلوماسية البرلمانية التي يعمل على تدعيمها منذ توليه رئاسة البرلمان.
ورأى مراقبون أن السباق بين الرئاسات الثلاث للقاء السفراء الأجانب، هدفه تدويل الأزمة السياسية الداخلية والاستقواء بالحلفاء الأوروبيين والأميركيين، بعد العجز عن إيجاد الحلول، محذرين من تداعيات ذلك على السيادة الوطنية وفتح الباب للتدخل الأجنبي.
وفي هذا الصدد قال زعيم حزب العمال اليساري المعارض حمة الهمامي “إن البلاد أصبحت تحت الوصاية الأجنبية”، منتقدا -في تصريحات إعلامية- ما وصفه بالتدخل الوقح لسفراء الدول الأجنبية في الشأن التونسي.
كما نبّه أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي من خطورة تداول المسؤولين في الدولة للشأن العام الداخلي مع السفراء الأجانب، داعيا الرئاسات الثلاث إلى ترتيب البيت الداخلي قبل أن يسقط السقف على الجميع.
تدويل الأزمة السياسية
وفي حديثه للجزيرة نت، دعا أمين عام التيار الديمقراطي غازي الشواشي الطبقة الحاكمة للانكباب على حل المشاكل الداخلية بعيدا عن أي تدخل خارجي، وأن تستوعب مضامين الرسائل التي أطلقها سفراء الدول الصديقة، قبل حصول الكارثة وفتح الباب لاستباحة القرار والسيادة الوطنية تحت ذرائع اقتصادية وسياسية. واعتبر الشواشي أن كل دولة لها مصالحها السياسية والاقتصادية التي تدافع عنها عبر قنواتها الدبلوماسية، خصوصا في قضايا الأمن والهجرة ومقاومة الإرهاب، في ظل بلوغ الأزمة السياسية طريقا مسدودا. وأشار في المقابل إلى أن تونس مطالبة بدورها بالحفاظ على علاقات جيدة مع أصدقائها وشركائها الاقتصاديين والسياسيين الأجانب، في إطار ما تمليه المصلحة المتبادلة.
وختم بالقول “شخصيا قمت بصفتي الحزبية بلقاء أكثر من سفير دولة شقيقة، عبّر أغلبهم عن قلقه من غياب رؤية وإستراتيجية سياسية واقتصادية واضحة في البلاد، في ظل تشتت القرار السياسي وغياب منطق الوحدة الوطنية”.
يذكر أنه بعد مرور نحو شهر من تصويت البرلمان التونسي بأغلبية مطلقة على التعديل الوزاري في حكومة هشام المشيشي، لا يزال الوزراء بانتظار قبول أدائهم اليمين الدستورية من قبل رئيس الجمهورية.