السودان .. برنامج لتوفير دخل أساسي للسودانيين لتخفيف وطأة المعاناة الاقتصادية
دفع ارتفاع الأسعار الحاد في السودان انتصار الطيب التي تكسب قوت يومها من رسم الحناء في العاصمة الخرطوم إلى شراء احتياجاتها من متاجر محلية بالآجل والحد مما تقدمه على مائدة الإفطار الرمضانية.
وانتصار واحدة من ملايين يعانون بسبب أزمة اقتصادية تفاقمت مع محاولة بلادها الخلاص من الانعزال عن الأسواق العالمية والصراعات، وهي أوضاع دامت عقودا. وزاد التضخم لأكثر من 340 بالمئة وهناك نقص حاد في كل شيء من الطاقة الكهربائية وحتى الأدوية.
ولتخفيف تلك المعاناة وتبعات الإصلاحات الاقتصادية، تطرح الحكومة برنامجا تموله جهات مانحة يهدف إلى تقديم دخل شهري أساسي مؤقت قدره خمسة دولارات لنحو 80 بالمئة من السكان البالغ عددهم نحو 43 مليون نسمة.
ويعد هذا المقترح، الذي بدأ في فبراير شباط، اختبارا للحكومة الانتقالية بشراكة بين المدنيين والجيش والتي تقود البلاد حتى 2023. ويشكو كثيرون من السودانيين من أنهم لم يشعروا بعد بأي منافع بعد انتفاضة، خرجت في الأساس بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، وأطاحت بالرئيس السابق عمر البشير قبل عامين.
وقالت انتصار، التي سجلت اسمها في البرنامج لكنها لم تتلق منه مالا بعد، إن الأسعار في حي الكلاكلة الذي تقطنه ارتفعت لأربعة أو خمسة أمثال عن عام مضى وإن أسرتها توقفت بالكامل تقريبا عن شراء اللحم.
وجعل ارتفاع أسعار الوقود تكلفة وسائل النقل العامة فوق طاقة الكثيرين.
وجاء برنامج دعم الأسرة في وقت تسعى فيه الحكومة لمواصلة تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي قاس يراقبه صندوق النقد الدولي على أمل الحصول على تخفيف من عبء دين يصل على الأقل إلى 50 مليار دولار وعلى أمل الحصول على تمويل من مقرضين دوليين.
وشملت تلك الإصلاحات الجاري تطبيقها خفضا حادا في قيمة العملة في فبراير شباط وخفضا في دعم الوقود على مدى النصف الثاني من العام الماضي. وقال صندق النقد الدولي في تقرير صدر في أكتوبر تشرين الأول بشأن تلك الإصلاحات إنها قد تؤدي إلى انكماش اقتصادي وارتفاع أكبر في نسبة التضخم واضطرابات اجتماعية على المدى القصير.
ويقول مسؤولون إن برنامج توفير الدخل الأساسي، المعروف باسم برنامج دعم الأسر (ثمرات)، هو محاولة للتخفيف من وطأة تلك الإجراءات.
وقالت ميلينا ستيفانوفا المسؤولة عن ملف السودان في البنك الدولي إن مسحا شمل أكثر من ثلاثة آلاف أسرة في أنحاء السودان وأجري في الفترة من نوفمبر تشرين الثاني وحتى يناير كانون الثاني أظهر أن نحو 30 بالمئة لا يستطيعون شراء سلع أساسية مثل الخبز والحليب وسط تفاقم زيادات الأسعار بسبب جائحة كوفيد-19.
* مدفوعات
تأجل إطلاق البرنامج حتى أواخر فبراير شباط لأن المانحين اشترطوا تقليص الهوة بين سعر الصرف الرسمي للعملة وسعرها في السوق السوداء قبل ضخ الأموال التي تعهدوا بها العام الماضي.
وقال محمد الجاك وهو أستاذ في الاقتصاد في جامعة الخرطوم إن تأجيل تطبيق البرنامج يقلل من أثره بسبب تسارع ارتفاع التضخم في السودان.
ويقول البنك الدولي إن السودان تلقى 820 مليون دولار منه ومن دول مانحة لتمويل أول مرحلتين من البرنامج اللتين تستهدفان 24 مليون نسمة في 12 ولاية لمدة ستة أشهر.
ولم يحصل البرنامج بعد على تمويل كاف للوصول إلى 32.5 مليون نسمة آخرين ولا ليواصل المدفوعات لمدة عام.
وقال بعض المنتفعين من البرنامج لرويترز إنهم سيستغلون المال في سد ديون أو دفع إيجار مساكنهم أو صيانتها. لكن انتصار تقول إن هذا المال لن يشكل فارقا كبيرا في المصروفات اليومية وسيكون أكثر نفعا لأسرتها إن ادخرته وبدأت به مشروعا.
أما محمد الضي العامل باليومية في منطقة عيد حسين فقال “أنا ذهبت وسجلت في ثمرات وعدد أسرتي ستة أفراد وتحصلت علي مبلغ 11400 جنيه سوداني (30 دولارا)، مقابل كل فرد 1900 جنيه، وحقيقة هذا المبلغ له أثر في رمضان… المعيشة أصبحت صعبة وتوجد ضغوط… وهذا المبلغ له أثر”.
وذكر البنك الدولي أن 84028 أسرة تلقت الدعم المالي من البرنامج في شهري مارس آذار وأبريل نيسان. وتقدر الحكومة أن عدد أفراد الأسرة خمسة تقريبا ويحق لكل فرد مدفوعات شهرية بالعملة المحلية بما يوازي قيمة خمسة دولارات.
وقال مجدي أمين المستشار البارز في وزارة المالية السودانية إن الحكومة تأمل في استخدام البرنامج للتأسيس لشبكة أمان اجتماعي دائمة للملايين من الأسر الأكثر فقرا.
ويشير أمين صالح وكيل وزارة المالية لشؤون التخطيط إلى أن التأخير في المدفوعات حتى الآن يرجع لمشكلات متعلقة بالتحقق من البيانات وتنفيذ التحويلات المالية.
وقالت عرفه محمد وهي ربة منزل في حي الكلاكلة “أخذوا الرقم الوطني ولم يحضروا لنا أي شيء ونحن نعاني من المعيشة.. المعيشة صعبة..
كلما نذهب للسوق نجد زياده في الأسعار… الناس تعاني وليس بمقدورنا شراء أي شيء.. ومنتظرين هذه القروش منذ أن قالوا سنحضرها نحن منتظرين طيلة شهر رمضان وما زلنا منتظرين”.