الوباء يهز القناعات السياسية ليهود متشددين في إسرائيل
يقول أهارون (34 عاما) الذي ينتمي الى مجموعة من اليهود المتشددين في إسرائيل، أنه للمرة الأولى لن يصوّت لحزب “يهدوت هتوراة”، الحزب السياسي لليهود المتدينين الغربين “أشكيناز”، في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية الثلاثاء القادم وذلك لسوء تعاملهم مع وباء كورونا.
ويعيش أهارون في مجتمع صغير من الحريديم، وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال. ويقول لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن اسم عائلته، إنه تردّد في الانتخابات السابقة بالتصويت لحزبه، لكن عندما دخل إلى صندوق الاقتراع “ظلت مخلصا له”.
ينتمي أهارون الى المجتمع اليهودي المتدين المنغلق على نفسه، ويمكن أن يؤدي إخلاله بالولاء السياسي إلى توتر علاقته به. ويوضح “كل عائلتي وجميع أصدقائي حريديم، لذلك قررت حينها أنه من الأفضل أن أبقى”.
ويشغل حزب “يهدوت هتوراة” (اليهودية الموحدة من أجل التوراة) سبعة مقاعد في الكنيست الإسرائيلي. ويقول أهارون “لقد فشلوا”.
وكان توقع عند تفشي الوباء أن يشدد “يهدوت هتوراة “على أهمية السلامة، وأن “يتفاعل على الفور ويتحدث بصوت عال ويكون واضحا، فيعمل مثلا على إغلاق مدارس تعليم التوراة وحمامات الطهارة، (…)، لكنهم لم يفعلوا شيئًا”.
– “خطأ ما” –
وأثار انتشار وباء كوفيد-19 توترات في اسرائيل ضد تيار المتشددين “الحريديم” الذي حمّله البعض جزءا كبيرا من مسؤولية تفشي الفيروس في البلاد.
وأثار رفض كبار الحاخامات إغلاق المدارس الدينية بينما كان مئات الآلاف من التلاميذ العلمانيين يقبعون في منازلهم، انتقادات. كما أثارت جنازات المتشددين الحاشدة في الشوارع التي تتجاهل القيود المفروضة على التجمعات، غضب الجمهور. وألقي باللوم على المتشددين لتحديهم الإغلاق المطول.
ويقول أهارون “أثبت أعضاء الكنيست الحريديم أنهم وضعوا المصالح الدينية فوق مصالح المجتمع”.
ويقول متابعون للمجموعات اليهودية المتدينة المتشددة إن الوباء، بالإضافة الى التوتر بين العلمانيين والمتشددين، “أشعل أيضا نقاشًا داخليًا في أوساط اليهود الحريديم حول ما إذا كان سلوكهم خلال أزمة الوباء مبررًا”.
ويقول الحاخام يهوشوع بفيفر، رئيس تحرير مجلة “تساريخ عيون” الإلكترونية الحريدية، لوكالة فرانس برس، إن بعض الحريديم كانت لهم “ردة فعل تقليدية” تتمثل في التنديد بحملة ضدهم من باقي سكان البلاد ومن وسائل الإعلام، بينما آخرون كانوا “أكثر عقلانية” وتساءلوا “كيف لمجتمع يعتبر نفسه أكثر أخلاقية من غيره، أن يتحوّل الى المشكلة الأساسية في قضية الوباء في إسرائيل؟”.
ويتابع الحاخام “فشلوا في التعامل مع القيود في مواجهة الوباء وصاروا منتهكين للقانون. (…) من الواضح أن هناك خطأ ما حدث”.
ويتساءل “هل من المنطقي أن نقيم جنازات جماعية لمن ماتوا بفيروس كورونا دون أن يعترض أحد؟”، مضيفا “إذا كنا فعلا مجتمعًا مستقيماً ومتميزًا أخلاقياً وتوراتي التوجه، فعلينا أن نكون قادرين على التعامل مع هذا الموضوع على الأقل مثل أي شخص آخر، إن لم يكن أفضل”.
ويشير إلى أن الحريديم “يعرفون جيدًا كيفية التعامل مع الأشخاص الذين لا يتفقون معهم”. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بإلاغلاق ومخالفي القانون، كانت آليات الانضباط الداخلي للمجتمع نائمة”.
– دعوة يقظة –
ويتهم بفيفر زعماء “يهدوت هتوراه” ب”التحدث بصوتين”عن الوباء، محاولين الظهور كسياسيين مسؤولين يدعمون عمليات الإغلاق، وفي الوقت نفسه يريدون مسايرة الحاخامات الذين يقررون مصيرهم السياسي.
ويرى الخبير في المجتمع الحريدي في الجامعة العبرية بنيامين براون أن حزب “يهدوت هتوراه” يرى قاعدته “تزداد شكوكًا” تجاه قادتها، وقد يقتصر هذا الميل اليوم على أقلية، لكن “هذه الهوامش يمكن أن تنمو بشكل أكبر”.
وتعمل الناشطة النسوية بنينا فايفر (42 عاما) التي خرجت من المجتمع الحريدي، وهي مطلقة وأم لطفلين، على تعزيز قيم تقدمية داخل مجموعة أنشأتها باسم “الحريديم الجدد”.
وترى بنينا أنه “تم تقويض قدرة حزب يهدوت هتوراه على القيادة أثناء الوباء” بسبب “الظروف الموجودة سابقًا”.فالمجتمع المتشدد لا يعتبر الحزب قائداً له بل يراه “كخدمة مجتمعية” تابعة للقيادة الحاخامية.
وتقول “إن المشكلة التي سلط الوباء الضوء عليها هي أن الحريديم تحولوا من أقلية صغيرة جدًا إلى أقلية كبيرة جدًا”، اذ تشكل ولادة الأطفال عند العائلات المتدينة المتشددة حوالى 40% من الأطفال المولودين في إسرائيل.
وتشير الى “أن معدلات البطالة والفقر المرتفعة ورفض التعليم العلماني والعناد خلال الأزمة صحية في العام الماضي، حقائق حريدية تؤثر على بقية إسرائيل”.
وتضيف أن الوباء “هو دعوة للاستيقاظ وعليهم أن يقرروا ماذا يفعلون في المستقبل”.