“حمدوك .. الردة مستحيلة”
سواء صحت، أو لم تصح، التوقعات التي تقول بعودة، رئيس الوزراء المستقيل، عبد الله آدم، إلى كرسي الوزارة، مرة أخرى، فإنه يبدو مستغرباً أن يسعى البعض جاهدين لتسويق الاسم من جديد، والترويج له باعتباره المنقذ والمخرج من “الورطة” السياسية التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عام، والمنطق يقول إنه لو كان رئيس الوزراء “المستقيل” يمثل الكلمة السحرية والحل المناسب للمعادلة الصعبة، فلماذا أساساً كانت قرارات ٢٥ أكتوبر، ولماذا آثر الرجل الخروج من المشهد، مع أنه عاد ووضع يده في يد العسكر في اتفاق ٢٢ نوفمبر؟
الحالمون بعودة “عبد الله” يتجاهلون حقيقة مهمة، وهي أن مكونات الساحة السياسية “عسكر أو مدنيين” تجاوزت محطة الرجل، باعتبار أنه قد فقد تأييد الشارع وأصبح مجرداً من الزخم الثوري “المصنوع” والذي كان الرافعة الأساسية التي أتت بالرجل من مجاهل المحافل الدولية إلى كُرسي الوزارة في أغسطس ٢٠١٩.
يبقى السؤال الذي يتجاوزه من يسوقون لعودة “عبد الله” ما الذي يمكن أن يضيفه الرجل أو يقدمه للبلاد وللفترة الانتقالية، ولم يقدمه في خلال العامين السابقين، وبصرف النظر عن الإجابة فالواقع يؤكد أنه ومنذ اغسطس ٢٠١٩ وحتى أكتوبر ٢٠٢١ اثبت رئيس الوزراء المستقيل، أنه رئيس وزراء بلا أُفق سياسي، ولا رؤية للإصلاح المنشود، ولا طموح حتى، وبتعاطيه البارد مع الملفات الساخنة، أكد أنه ليس إلا محض رجل، أتت به “الصُدفة” والمحاصصات و”تعليمات” المحاور لقيادة حكومة ما بعد الثورة، ولئن كان قد غادر بعد قرارات “البرهان” الانفرادية أو بقي، فالأمر لن يشكل فرقاً في شخصيته الانهزامية كرئيس وزراء، وانقياده للمدنيين والعسكر على حدٍ سواء.
لازم القول هُنا، إن أكثر ما يُزهد في عودة “عبد الله” إلى كُرسي الوزارة، هو ما أظهره من عجز في إدارة الملفات الحساسة خلال فترته تلك، وخاصة الملف الاقتصادي والذي لم يقدم فيه شيئاً سوى الوعود وتمنيات “العبور والانتصار” وهو ما لم يحدث على الرغم من سيره في الطريق الذي رسمه صندوق النقد والبنك الدُوليين، ولم تبذل حكومته أي جهود لمحاربة الغلاء مع اجتهادها في زيادة أسعار الوقود والخبز والكهرباء، وما زالت الأسافير تتناقل تعليله الشهير لما يُسمى برفع الدعم، عندما قال “لو زول عايز يتحرك من أمدرمان للصحافة عشان يشرب شاي مع صاحبه ح يفكر مية مرة قبل ما يتحرك” في أغرب نظرية اقتصادية أطلقها الخبير الاقتصادي.
ولعل البعض يراهن على عودة “عبد الله” في الانفتاح على الحُضن العالمي، غير أن هذه الجزئية تحديداً، هي أكثر مآخذ العامين التي حكمت خلالها “قحت” ورئيس وزراءها، حيث كان واضحاً أن هذا الاخير قدم الأجندة الخارجية على الداخلية، وانشغل بإرضاء وتلبية رغبات المحاور والمجتمع الدُولي عن تطلعات وآمال المواطنين والوطن.
على أي حال، الموضوعية والمنطق يقولان بأن “عبد الله” لم يعد هو الخيار المناسب، ولا يمكن أن يكون هو الشخصية التوافقية المطلوبة لإكمال المرحلة الانتقالية، بعد أن تنكرت له حتى حاضنته الشيوعية، وما عاد يحظى بقبول الشارع، وهو في ذات الوقت أبعد ما يكون عن القبول الخارجي في ظل التحولات الدولية والإقليمية وتغير موازين القوى عما كانت عليه قبل الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١.
..
آخيراً .. من جرّب المُجَرَب حاقت به الندامة.