حمدوك في حوار مثير لمجلة الأمانة.. إليك التفاصيل
ما وراء الاتفاق السياسي
عودة رئيس مجلس الوزراء .. استفهامات ونتائج متوقعة
الاتفاق كفل الاستحقاق الثوري بتشكيل حكومة مدنية مستقلة والاستحقاق الديمقراطي بقيام الانتخابات والمؤتمر الدستوري
أزمتنا الوطنية عمرها 65 عاماً والمعالجات التي بدأناها تستكملها الأجيال
مواقف الرفض المطلق للشراكة مع المكون العسكري تنتهي إلى نتائج صفرية في غياب الخيارات البديلة
الاتفاق السياسي مفصل على مصلحة الشعب السوداني بعيداً عن أي أغراض ضيقة أو مكاسب شخصية
الحوار
في عمق الأزمة وأجواء التقاطعات السياسية .. وفي ذروة الانشغال بفك الاختناق واستعادة منصة الدولة المدنية التقيناه واقتطعنا من وقته ما يكفي لكشف الحقائق وتبصير الرأي العام بوجهته في ما تبقى من الفترة الانتقالية ..
لم تدهشنا حالة الهدوء التي كان يجيب بها على أسئلتنا الانفعالية ولكن أدهشتنا تلك الفكرة الممتدة التي تربط بين تاريخ السودان ومستقبله وتشخيص الأزمة الوطنية بقراءات موضوعية واستدلالات بحقائق التاريخ ومعطيات المرحلة ..
أخذناه في تطواف على محطات الانتقال لنصل معه إلى نقطة الاتفاق السياسي المثير للجدل ولنستبين سبل الخروج من المأزق. فأجابنا عبر هذه الأسطر جواباً يخاطب العقل ويلامس الوجدان.
الاتفاق السياسي الموقع في 21 نوفمبر لاستئناف عملية التحول المدني الديمقراطي .. ألم ينتقص من مدنية الدولة ؟
ماتم في ٢١نوفمبر لايمكن أن يُقرأ بمعزل عن ماكان يجري طيلة الفترة الانتقالية المحفوقة بالتحديات والتعقيدات، وهذا الاتفاق في هذا التوقيت تم بخطوات محسوبة وقراءة دقيقة للمشهد العام بعد مشاورات واسعة جداً ونقاش مستفيض، ويكفي أن هذا الاتفاق قد كفل الاستحقاق الثوري بتشكيل حكومة مدنية مستقلة بمعايير الكفاءة والاستحقاق الديمقراطي بقيام الانتخابات والمؤتمر الدستوري لإنهاء المصادمات السياسية التي أضرّت بالمصالح الوطنية.
حالة الإغلاق التي أفرزتها قرارات ٢٥ أكتوبر وضعت أمامك عدة خيارات من بينها مغادرة الساحة وأنت في حل أمام الشعب السوداني من قيود المرحلة فما الذي حملك على إعادة الشراكة مع المكون العسكري ؟
هناك أهداف أساسية انبنى عليها قرار العودة واستئناف الشراكة أولها الحفاظ على الدم السوداني والبلاد يوم ذاك عند حافة الهاوية ومهددة بانزلاق إلى صدام قد يدمر الدولة السودانية يضاف إلى ذلك ضرورة المحافظة على مكتسبات الفترة الماضية وفي مقدمتها إنجاز المرحلة من السلام بتوقيع اتفاق جوبا مع الجبهة الثورية والتأسيس للمرحلة الثانية ببدء المحادثات مع الحركة الشعبية شمال قيادة عبدالعزيز الحلو والحفاظ – كذلك – على ما تم من إنجاز في الملف الاقتصادي بقرارات حاسمة كرفع الدعم وتحرير سعر الصرف ويضاف إلى هذه الأسباب حالة الاحتقان وانسداد الأفق داخلياً وخارجياً والتباين في موقف القوى السياسية في فترة حرجة من عمر الثورة تزداد فيها المخاطر بسبب الانقسامات والتجاذب.
كم من الوقت يكفي لظهور نتائج هذا الاتفاق وكيف يمكن قياسها؟
هناك نتائج إيجابية ملموسة لا تنفصل عن أهداف الاتفاق منها سلمية وسلامة المواكب التي خرجت عقب الاتفاق مقارنة بما كان يحدث سابقاً من وقوع ضحايا في كل موكب وفي الجانب الاقتصادي يظل هذا الاستقرار لسعر الصرف شاهداً على صلابة السياسات الاقتصادية وقوة الحزمة الإجرائية التي اتبعتها الحكومة الانتقالية لإدارة الاقتصاد في ظل هذه التعقيدات المحيطة بالفترة الانتقالية. ومن المكاسب المهمة والفورية لهذا الاتفاق فتح الطريق أمام حركة الحوار السياسي بعد تراجع كبير في عملية التحول المدني الديمقراطي.
ظهور معارضين للاتفاق من بعض القوى السياسية ومواكب احتجاجات متكررة وكأنه دون تطلعاتهم فهل يعني أن الاتفاق قد تم بموجب تنازلات ؟
هذا النوع من الاتفاقات يبنى على إدارة التقاطعات بتغليب المصلحة المشتركة وهي معادلة قائمة على تحقيق التقارب بين الطرفين مقابل تنازلات من كل طرف والتنازل في مثل هذه الحالة لايعني الضعف لأن التفاوض في الأساس يقوم على التكافؤ والاعتراف بالآخر وماتم الاتفاق عليه في 21 نوفمبر ينتظر منه أن يحقق مصلحة مقدرة لهذا الوطن عاجلاً وآجلاً.
ألم يكن بالإمكان تجنب هذه الأحداث والمتغيرات بأي تدابير وقائية قبل الخطوة العلاجية عبر اتفاق 21 نوفمبر؟
المبادرات التي سبقت هذا التاريخ كانت كفيلة بتجنيب الحكومة الانتقالية هذا الاضطراب وآخر المبادرات كان في 15 أكتوبر 2021م وسميت (بخارطة الطريق ) وقد كان بالإمكان أن تتفادى كل هذا الارتباك الذي أصاب عملية الانتقال المدني ولكن لن نجني شيئاً بالتلاوم وتبادل الاتهامات بالتقصير فالأجدر بنا أن نخرج من اختناقات التجاذب والاحتكاكات إلى فضاء التوافق الذي يؤمن مستقبل البلاد إذا توفرت الإرادة والعزيمة، وماتم يعتبر إثراءً للتجربة وليس خصماًعليها .
هل يكفي ماتبقى من الفترة الانتقالية لإيجاد حلول واقعية للأزمة الوطنية المركبة ؟
أزمتنا الوطنية عمرها خمسة وستون عاماً والحديث عن معالجتها خلال عام ونصف العام يجانب المنطق ويخالف الواقعية في التفكير ولكننا اتفقنا على الشروع في حل تلك الأزمة والتأسيس لمرحلة جديدة في تاريخ السودان بالعمل على إنجاز أربع أولويات انحصرت في الإصلاح الاقتصادي لتأمين معاش الناس واستكمال السلام وبسط الأمن والإيفاء بالاستحقاق الديموقراطي بإقامة انتخابات نزيهة وشفافة لتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة تحمل تفويضاً من الشعب السوداني. إضافة إلى إقامة مؤتمر دستوري يجيب على السؤال الذي ظل يؤرقنا : ( كيف يحكم السودان؟ ) ونترك الإجابة على السؤال: ( من يحكم السودان ؟ ) لخيارات الشعب السوداني باختيار من يأنس فيهم الكفاءة. ويمكن أن نستلهم من تجاربنا التراكمية في الانتقالات السابقة لتكون لبنة أساسية لهذا المشروع الوطني الكبير.
هل يمكن أن ينتج هذا المؤتمر دستوراً دائماً للبلاد دون مجلس تشريعي منتخب يمثل الشعب السوداني ؟
– الفقه الدستوري يحتوى على مناهج واتجاهات متعددة فيما يسمي بعملية بناء الدستور يتم العمل بها بما يناسب طبيعة كل دولة فبعض البلدان تبني الدستور عن طريق حوار مجتمعي عريض ومداولات تفصيلية حول الحقوق والواجبات فى كل جوانب الحياة ويتم التوافق عليها ثم تنقل إلى مؤتمر جامع لإجازتها كمرجعية لشؤون الدولة ويبني الدستور أحياناً بواسطة جمعية وطنية منتخبة تمثل المجتمع القاعدي، وهناك من يعتمد عملية الاستفتاء العام وهكذا فكل دولة لها طبيعتها وخصوصيتها وبوسعنا في أن نتخير أمثل الطرق بما يناسب طبيعة السودان وطبيعة المرحلة علي أن يستوفي النقاش في عملية بناء الدستور كل القضايا المتفق عليها والمختلف عليها والمسكوت عنها لإنهاء أزمة الدستور بشكل حاسم.
مقاطعة رموز ومؤسسات سياسية لهذه الخطوة ألا يؤثر في مجريات تنفيذ هذا الاتفاق السياسي؟
-أنا أتفهم جداً موقف المعارضين لهذا الاتفاق وقناعتهم بأنه لايلبي مطالب الثورة ولايسهم في عملية التحول المدني الديمقراطي وهذه تقديرات تحمد لهم وتحفظ لهم في موازين العمل الوطني ولكن التزامي تجاه الثورة والثوار يفرض علي القيام بما هو أصلح. كما أن التقاء الرأي والرأي الآخر يمكن أن ينتج رؤية وطنية مشتركة لتحقيق أهداف الثورة بل يجب على القوي السياسية أن تعمل على توفير مقومات الاستقرار السياسي بإعلاء قيمة الانتماء لهذا الوطن والتركيز على المشتركات الوطنية وكلهم يدرك أن أعظم الإنجازات في تاريخنا السياسي كانت في لحظات التوافق العريض في أكتوبر وأبريل وديسمبر وظلت علامات فارقة تنظر إليها شعوب المنطقة كتجارب ملهمة وأمثلة يقاس عليها. ونحن اليوم بحاجة إلى كلمة جامعة للسطيرة على المخاطر والمهددات التي تحيط بالفترة وبعملية الانتقال.
مخاطر الانزلاق لاخلاف حولها ولكن هل يصح أن نضع الشعب السوداني المعروف بالتسامح ومشهود له بقوة الترابط الاجتماعي في مقارنة مع شعوب أخرى في المحيط الاقليمي دمرها الاضطراب والصراع الداخلي ؟
الشعب السوداني له كثير من الميزات التفضيلية وله إرث اجتماعي فريد في التعايش السلمي وتحقيق المصالحات ولكنه في المقابل يتصف بدرجة من التنوع لايمكن مقارنتها بتلك الشعوب ذات الانتماء الاثني والثقافي الموحد أوالمتشابه على الأقل وهذا الفارق يجعل من التنوع في السودان مصدراً من مصادر الأزمة المحتملة ويزيد من عوامل التصعيد بسبب الفشل الموروث في هذا التنوع خلال العقود الماضية وبذلك تصبح المقارنة مشروعة بل يصبح التنبيه على حجم المشكلة ومخاطر السقوط في مستنقع الصراعات الداخلية أمراً ضرورياً في أجواء الأستقطاب الحاد وتعمد بعض الجهات نشر خطاب الكراهية .
جدلية المركز والهامش كيف يمكن حسمها والسيطرة على إفرازاتها مع ضيق الوقت المحدد لنهاية الفترة الانتقالية ؟
– الاحساس العميق من سكان الهامش بسيطرة المركز المتوارث بين الأجيال على مدى خمسة وستين عاماً ولد حالة من الغبن استدعت بدورها أشكالاً متعددة من النضال على رأسها تجارب الكفاح المسلح التي امتدت في عدد من مناطق السودان في دارفور والمنطقتين وفي شرق السودان واستمرت لفترة طويلة وأضرت بمصالح الأجيال. وحمل السلاح – بطبيعة الحال – يورث الشعور بالرغبة بل القدرة على التحررمن قيود الماضي. بهذا المنظور تم تقييم المرحلة الأولى من السلام بتوقيع اتفاق جوبا لسلام السودان مع الجبهة الثورية بأنه أولى خطوات المعاجة الجذرية لأزمة المركز والهامش بشكل توافقي.
ولأول مرة في تاريخنا يتحقق هذا النموذج بأشكال التعبير السياسي والتمثيل التنفيذي والسيادي لمناطق الهامش في مركزالقرار وهذا بالطبع لا يكفي فالمعاجة يجب أن تصل إلى جذور الأزمة المرتبطة بالتنمية غير المتوازنة بكل مظاهرها من توزيع الخدمات وإدارة القطاعات المنتجة.
هل تستطيع الحكومة الانتقالية وهي مقيدة بسقفها الزمني إحراز اي تقدم في احتواء أزمة الهامش ووقف التصعيد؟
أطروحة الأحزمة التنموية الخمسة المعروفة بحزام التمازج وحزام الصمغ العربي وحزام الأنهار وحزام المحاصيل النوعية وحزام الشرق هي ملخص رؤيتنا لإرساء قواعد الحل من داخل الفترة الانتقالية وتقديم نماذج للتنمية الشاملة في مقابل المشروع السياسي المطروح وهذا ماظل غائباً منذ الاستقلال، وفي هذا التوقيت تزداد أهمية هذا التوجه التنموي عبر تلك الاحزمة العابرة لكافة الوحدات الإدارية والموصولة بالموارد الأساسية للسودان. بهذه الخطوات يمكن إحراز تقدم واضح في معالجة أزمة الهامش عبر التنمية المتوازنة وليس بمجرد المحاصصة في الحقائب الوزارية والمواقع الدستورية ولتتشكل بذلك الملامح الأساسية للمشروع الوطني.
مايحدث في هذه الفترة من اضطرابات فى دارفور وفى الشرق هل يمثل عائقاً أو تهديداً للشروع في وضع هذا الأساس التنموي؟
قضايا دارفور وشرق السودان قضايا سياسية وتنموية أسقطت عليها صراعات أخرى اثنية وثقافية وتعقيدات جديدة تجاوزت الأسباب التي أدت لاندلاع الأزمة فى كل منطقة ولكن الحقيقة الماثلة أن سكان تلك المناطق من كل الاثنيات ظلوا ضحايا للتهميش والخلل التنموي، ولو تمت معالجة تلك القضية التي ترتبت عليها هذه النتائج السالبة فستعالج القضايا الفرعية بشكل تلقائي ويصبح احتواء الصراع بين المكون السكاني في كل منطقة أمراً ممكناً.
ولكن هناك محاولات وإجراءت اتخذتها بعض الحكومات الوطنية لاحتواء هذه الأزمة عقب خروج المستعمر فهل من اتجاه لاستدعائها كتجارب أو تطويرها لتسريع المعالجة؟
-المحاولات السابقة لم تؤسس لحلول حقيقية ولم تلامس عمق المشكلة بدليل استمرار الأزمة بل كانت في أحسن الصيغ تتيح لكل منطقة اختيار من يحكمها من داخل النطاق الجغرافي على سبيل الإرضاء ولكن المعضلة الحقيقية ليست عند ذلك الاستفهام الطارئ: (كيف يحكم الهامش؟) بل (كيف يحكم المركز؟) ولذلك لا يمكن أن نبني على محاولات غير محرزة .
حالة الاستياء فى أوساط الشباب وشعورهم بأنهم خارج العملية التنموية وخارج دوائر المشاركة في عملية التحول والانتقال المدني كيف يمكن التعامل معها ؟
– شباب السودان يتمتع بطاقة غير محدودة ومؤهل للقيام بمهام وطنية كبري، والحكومة الانتقالية لم تسقط الشباب في التخطيط لمشروعها الوطني بشقيه السياسي والتنموي ولكن التأخير في استيعاب الشباب على النحو الأمثل له أسباب موضوعية صاحبت الجزء الأول من الفترة الانتقالية ولكن يظل السعي مستمراً لاستكمال الأوعية التي تستوعب الشباب وطاقاتهم وخبراتهم ليكونوا شركاء في إنجاح عملية الانتقال كهدف مرحلي وتشكيل مستقبل السودان كمطلب استراتيجي.
كيف تنظر إلى سلسلة المواكب الشبابية وكيف تجيب على شعاراتها الاحتجاجية ؟
لابد من الاعتراف – ابتداءً – بأن حق التظاهر والتعبير السلمي حق انتزعه الشعب السوداني عبر عشرات السنين بنضاله المستمر ويجب أن يستمر هذا النضال لضمان استمرار الثورة مع ضرورة التوقف عند متطلبات كل مرحلة من مراحل النضال فمرحلة إسقاط النظام تختلف عن متطلبات مابعد سقوط النظام ولذلك يجب الانتقال من شعارات الحشد والمواجهة إلى شعارات البناء والإعمار والعمل الإيجابي لتحويل هذه الطاقات إلى رصيد تنموي يسهم في معالجة الأزمة الوطنية.
ويكفي أن نموذج النهضة الشاملة فى دول العالم الأول قد مر بهذا التدرج في كل جوانب الحياة وانتهى إلى هذا المستوى البراق الذي تتطلع إليه شعوب الدول النامية، وإن اقتران الطاقات بالخبرات والمعارف يعني – منطقياً – توفر شروط النهضة إذا كان مدعوماً بالعزيمة والإرادة الحرة وهذا مايفترض أن يضطلع به شباب الثورة.
إذا كان هذا الحق مكفولاً لهولاء ولغيرهم من المواطنين فلماذا لم تجد شعارات المواكب الرافضة للاتفاق مساحة للمقارنة إن لم تكن من خياراتك؟
– المقاطعة المطلقة المرفوعة في شعار اللاءات الثلاثة – مثلاً – لاتفاوض لا اعتراف لاشراكة بدون بديل فعلي ينتهي إلى نتيجة صفرية تنعدم معها الحلول وتهدد بضياع المكاسب الثورية ففي هذا الظرف وفي غيره يظل الحوار والتفاوض هو المبدأ الراسخ والطريق الآمن لإدارة كل الأزمات .
ألا تخشى أن يخصم هذا الاتفاق من رصيدك السياسي وتأييدك الجماهيري بعد تباين المواقف واختلاف ردود الأفعال ؟
– دفعتني قناعة كاملة لتوقيع هذا الاتفاق كخيار استراتيجي لمصلحة الشعب السوداني بعيداً عن أي أغراض ضيقة أو مكاسب شخصية وأنا على استعداد للقيام بأي خطوة تجلب لهذا الشعب نفعاً أو تدفع عنه ضرراً وهذا هو المبدأ الذي انبنى عليه خيار الاستمرار في الشراكة مع المكون العسكري .
هل ستستمر هذه الشراكة حتي لو في ظل هيمنة عسكرية ؟
طبيعة الاتفاق لا تسمح بتغول يصل إلى حد الهيمنة وإنما هو تقاسم للمسؤوليات وتوزيع للأدوار يتضمن اعترافاً كاملاً بمدنية الدولة. والوثيقة الدستورية الموقعة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري كانت أولى المعطيات التى تسلّمتها عند تسلّمي مهامي كرئيس لمجلس الوزراء وقد تم اعتمادها كمرجعية لإدارة شؤون الدولة خلال الفترة الانتقالية وكانت هي أساس هذه الشراكة التي لفتت أنظار العالم. والمتتبعون لهذا التسلسل يعلمون يقيناً أن اتفاق 21 نوفمبر لم يبتدع هذه الشراكة وإنما أعادها إلى الوضع الصحيح.
الاقتصاد ومعاش الناس عنوان عالق في كل الأذهان فماهي الحدود المنطقية في سقف التوقعات بعد حالة الانفتاح الخارجي وحزمة الإجراءات الداخلية ؟
– الاقتصاد والسياسة ملفات متقابلة تتاثر ببعضها البعض ومن ثم فإن الحفاظ على المكتسبات الاقتصادية خلال الفترة الانتقالية يتطلب توافقاً سياسياً لإجازة الضوابط والسياسات الاقتصادية. وتجربتنا في تأخير قرارات الإصلاح الاقتصادي برفع الدعم وتحرير سعر الصرف كشفت حجم الضرر في التأخير بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني.ومع ذلك تحقق خلال الفترة الانتقالية إنجاز مقدر نتيجة للسياسات المتبعة، واستطعنا عبر تلك السياسات إيقاف تهريب المنتجات البترولية مع استقرار ملحوظ في سعر الصرف رغم الأحداث الكبرى التي واجهتنا في الأشهر الماضية، يضاف الى ذلك عدد من المكاسب الاقتصادية بتخفيف العبء على الخزينة العامة ووفرة البضائع، ولأول مرة يعلن بنك السودان عن احتياطي من العملة الأجنبية بعد فجوة ونقص كبيرعانى منه البنك المركزي، ولكن يظل الجزء الغائب في عملية البناء الاقتصادي هو تحريك عجلة الإنتاج لتكتمل الحزمة ولننتقل إلى مستوىً جديد في الملف الاقتصادي.
الزراعة في السودان أشواق متجددة ومفارقات في الإنتاج .. متي يستقيم الأمر؟
– السودان مصنف كبلد زراعي بحكم المقومات الطبيعية الموجودة التي تسمح بأن يرتكز السودان على الاقتصاد الزراعي كأساس ولهذا كان في قائمة أولوياتنا فى مؤتمر باريس إيجاد حلول مباشرة فى ضوء الفرص الزراعية الكبرى فى السودان ابتداءً من مشروع الجزيرة الذي يتميز بإمكانات ضخمة لدعم الاقتصاد خاصة إذا اقترن الإنتاج الزراعي بعمليات التصنيع القائم على العمالة النوعية ذات الدخل المرتفع لتحقيق مكاسب مزدوجة داعمة للتنمية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي .
صادرات الإنتاج الزراعي والحيواني لم تنقطع ولكنها لم تحقق التوازن الاقتصادي المطلوب أين تكمن المشكلة؟
– المشكلة تبدأ من تمسكنا بمنهج معتل ورثناه من المستعمر منذ خمسينيات القرن الماضي يحتاج لتحديث ليواكب الاتجاهات الحديثة في إدارة الدولة ويتسق مع المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية لترتفع قيمة الصادر. وتمتد المشكلة – كذلك – إلى غياب ميزات اقتصاد المعرفة الذي يحول المنتج الخام إلى صناعات متعددة تضاف إلى قوائم الصادرات وتتسع بها دائرة الإنتاج من حيث النوع والمقدار.
كيف يمكن للحكومة الانتقالية أن تصور ملامح الانتخابات القادمة ؟
– إجراء الانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية خطوة لازمة لاستكمال التحول المدني الديمقراطي بتشكيل حكومة منتخبة، ولكن لضمان بلوغ هذا المقصد ونحن نطالع تطور النظم الانتخابية في كثير من دول العالم ينبغي علينا كسودانيين أن نراجع هذا النموذج المورث في طريقة الانتخاب والتأكد من صلاحيته لهذا المرحلة من تاريخ السودان فالممارسات الديمقراطية تختلف باختلاف الدول واختلاف الشعوب ولا يمكن – بالطبع – استنساخ النموذج الفرنسي – مثلاً – أو البريطاني أو نموذج الديمقراطية الاجتماعية في الدول الاسكندنافية وتطبيقه لمجرد نجاح التجربة في تلك البلدان فهنالك كثير من الشعوب انتقلت خلال العقود الأربعة الماضية من الانتخاب الحر المباشر إلى شكل من أشكال التمثيل النسبي بحكم متطلبات التجديد والتطور الذي انتظم الحياة. ونحن في السودان أكثر حاجة للتطوير والتحديث لاعتبارات كثيرة مرتبطة بالتنوع ومظاهره المعروفة وحتي إن كان هناك نموذج في أي مكان في العالم يناسب طبيعتنا فلا يمكن إسقاطه جملة على الواقع السوداني. وهذه واحدة من القضايا الكبري التي كان من المقرر أن يناقشها البرلمان للمساهمة في مواجهة تحديات المرحلة ودعم استقرار واستدامة الديمقراطية في السودان
خصوصية الجوار مع دولة جنوب السودان كيف يمكن توظيفها لدعم الاستقرار في السودان ؟
-العلاقة التاريخية وتشابه القضايا تستوجب احترام هذه الخصوصية والعناية بها وقد اخترت التوجه إلى جوبا في أولى زياراتي الخارجية بعد أداء القسم لهذه الاعتبارات فالسودان وجنوب السودان شعب واحد في دولتين.
وفي ذلك تجدر الإشارة إلى أن حزام التمازج الموضوع في خطة التنمية يستهدف التداخل القبلي والسكاني في الحدود بين الدولتين خاصة مع وجود كثافة عالية من سكان الجنوب في الولايات الحدودية فينبغي أن نراعي هذه العلاقة وأن نجعل من ثروات المنطقة مصالح تجمع بيننا لا منافسات تفرق بيننا وبين أشقائنا في جنوب السودان، وما تقدمنا به في مؤتمر باريس من الدعوة للاستثمار في السودان عبر ميناء بورتسودان بإنشاء طرق وسكك حديدية تربط بين الميناء وجوبا وانجمينا كان في هذا الإطار لأننا على يقين بعظم العائد من هذا الربط الإقليمي الذي يمثل الجنوب فيه ركناً أساسياً وعندها يمكن تسمية هذا الميناء بـ ( ميناء افريقيا ) والعالم ينظر إلى السودان كبؤرة ضوء في أفريقيا يمكن أن تكون مدخلاً لنهضة الإقليم بأكمله، ولهذا نعتزم التأسيس لتحوّل تنموي شامل ومتوازن تستكمله الأجيال القادمة .
وعود التمويل الخارجي التي حصل عليها السودان في مؤتمر باريس وفي غيره ما مصيرها بعد مستجدات 25 اكتوبر ؟
استمرار الدعم الخارجي وتوقفه مرتبط بعوامل داخلية متعلقة بالمناخ السياسي والأمني وإن أردنا الاستفادة من مساندة المؤسسات الدولية فينبغي أن نلبي متطلبات ذلك الدعم ونستوفي شروطه الأساسية فأجواء الاضطراب والتشاكس والانقسامات تشكل في مجملها بيئة طاردة ومنفرة للمستثمرين ولذلك نحن الآن أمام اختبار وطني حقيقي لترجيح المصالح الوطنية على المصالح الحزبية والجهوية الضيقة خاصة وأن المجتمع الدولي اكتفى بتجميد الدعم ولم يقم بإلغائه كما هو معتاد في المناطق التي يشوبها الاضطراب وعدم الاستقرار.
رسالة في بريد الوطن لمن توجهها وماذا تقول فيها
– للقوى السياسية وأهل الرأي وجميع مكونات الشعب السوداني العظيم أقول لهم : الحصة وطن