صناعة ثورة الندامةمن قبل الغرب.. للاستعمار
🔴دكتور ياسر أبّشر عبد المجيد يكتب:
كان بالفعل اعترافاً خطيراً ذلك الذي أدلى به الأميركي «ألن واينستين «Allen Weinstein» رئيس وقف دعم الديمقراطية National Endowment for Democracy (NED) لصحيفة واشنطن بوست في 1991م.. وأثق أنه لو لم يكن أمريكياً لما اعترف بما اعترف به..
الأمريكيون المتنفذون تسيطر عليهم غطرسة القوة «Arrogance of Power» لذا يتجرؤون على قول ما لا يقوله الآخرون.
وقبل أن أُبَيّن ما قاله الرجل، دعوني سادتي أسُق مثالاً نموذجياً لتلك الغطرسة، التي تجعلهم يتجاوزون المعهود من التقاليد المرعية في كل العالم ويفعلون ويقولون ما لا يقال!!
ذلك المثال النموذجي للغطرسة هو ما أفادني به المرحوم أحمد سليمان المحامي، ويتعلق بترشيح السودان للجنرال الفاتح عروة سفيراً للسودان بواشنطن.. فقد جرت التقاليد الدبلوماسية المرعيَّة بين كل بلاد العالم أن تعطي الدولة التي رُشّح لها سفير موافقتها على ترشيحه خلال ثلاثة أشهر، فإذا انقضت تلك الثلاثة أشهر ولم ترد الدولة فالرسالة الضمنية للدولة المرسلة للسفير أننا رفضنا ترشيحكم فأرسلوا لنا مرشحاً آخر.. تكتفي الدولة المرسل لها السفير بهذه الرسالة الضمنية، ولا تقل أبداً: رفضنا سفيركم.
وهذا عرفٌ دبلوماسيٌ مرعيٌّ ومفهوم، وعليه العمل بين كل دول العالم.. الدولة الوحيدة التي تخرق هذا العرف الدبلوماسي هي الولايات المتحدة الأمريكية، وخرقته عدة مرات، وفيما يلينا خرقته في حالة السفير الجنرال الفاتح عروة وذلك حين قالت صراحة: إنها لا تقبل ترشيحه؛ لأنه كان في سلسلة القيادة العسكرية السودانية لدى هجوم قوات قرنق على جوبا!!
قالوا: « He was at least in the chain of command during the attack on Juba »!!
قال الأمريكان ما لا تسمح الأعراف الدبلوماسية بقوله!!
وعرفتُ أن السبب الحقيقي يعود إلى أن موظفاً جنوبياً في مكتب المعونة الأمريكية في جوبا كان يعمل بجهاز الاتصالات بالمكتب، وكان يستخدم جهاز الاتصالات من داخل مكتب المعونة متصلاً بقوات قرنق المهاجمة لجوبا لتُصَوّب قصفها للمدينة.. ومات جراء ذلك القصف عشرات المدنيين والجنود.
فلما التقط أحد طياري سودانير (وقيل إنه المرحوم كابتن شيخ الدين الذي كان أول من أدخل دعاء السفر في رحلات الطائرات، وانتشر ذلك في خطوط جوية خارج السودان، وقيل إنه من الإسلاميين) الذي كان على وشك الهبوط في مطار جوبا مكالماته مع قوات قرنق، وأبلغ الكابتن الاستخبارات العسكرية التي اعتقلته وحُوكم وقتل، وهذا ما أثار حفيظة الأمريكان..
واعترف الأمريكان بعد مدة بخطئهم في رفض عروة الذي كان جنرالاً كبيراً وضابط مخابرات مشهوداً له بالذكاء وطياراً وإدارياً من طراز فريد.
وعودة لما اعترف به رئيس NED «ألَن واينستين»، نفيد أنه قال: «إن كثيراً مما يقوم به وقف دعم الديمقراطية NED اليوم كانت تقوم به وكالة المخابرات الأمريكية CIA سِرّاً قبل 25 عاماً».. ويعني تجنيد الجواسيس وما هو أكبر.
أما أم القنابل فهي أن هذا الوقف ومنذ تأسيسه كان مشاركاً في انقلابات تغيير الأنظمة السياسية، وفي «صناعة» الانتفاضات الجماهيرية.
نعم صناعة «Manufacturing» ، هكذا!!!
وفي التدخل لتزوير الانتخابات في البلاد الأجنبية!!
وفي شن حملة علاقات عامة خبيثة لتشويه صورة الحكومات التي تستهدفها واشنطن!! والترويج للمجموعات التي تريد لها أميركا أن تستولي على الحكم!!
وفي موقع الوقف تجدون أن أكبر مُمَوّلِيه هو وكالات الاستخبارات الأمريكية (CIA).
هذه هي الغطرسة الأمريكية، ولدى نافذيهم ذلك سلوك طبيعي.. لا يهمهم ماذا ستقول أنت إزاء ذلك..
نعم تلك أميركا الرسمية:
إذا غدرت حسناء وفّت بعهدها
فمن عهدها أن لا يدومَ لها عهدُ ….
ولأن الدولار أعمى بصائر عملاء هذا الوقف من السودانيين فهم لا يعلمون أن الأمريكان يفضحون عملاءهم حين يقضون منهم أوطارهم، تماماً كما يفضح السفهاء العاهرات حين يقضون منهن أوطارهم. وكمثال فقد فضحوا خوان قوايدو «Juan Guaido» الذي قاد الانقلاب على نيكولاس مادورو رئيس فينزويلا، الذي أعقب هوغو شافيز، وذلك في 23 يناير 2019م، وأعلنوا أن الوقف موّل تدريبه، وبالطبع موّل حزبه المسمى (الإرادة الشعبية)، وكل العناصر الداعمة له!!
ومن قبل فضحوا نورييقا، رئيس بنما، وقالوا إنه كان في قائمة مرتبات وكالة المخابرات الأمريكية.
وفضحوا زعماء عرب وآخرين كثر.
وفضحت نائبة مدير المعونة الأمريكية جماعتنا في موضوع المائة مليون دولار جملةً، وستفضحهم غداً فُرادى.
ويمارس الوقف أحياناً ابتزازاً على العملاء حتى يبقوا رهن العمالة.
في ثقافتنا فإن كلمة «وقف» مرتبطة بأعمال البِرْ والخير والإحسان، لكنهم لوّثُوها في أميركا فجعلوا لها مؤسسة تمارس الدهاء والخبث وإشاعة الاضطرابات والانقلابات وتمكين عملائهم والقتل.
تفيد متابعة نشاط هذا الوقف الأمريكي أنه يعمل في السودان وبلاد أخرى فيما يسميه «تطوير قدرات الشباب» و«تنمية وتمكين المرأة» و«مركز دراسات الديمقراطية» وما شاكل ذلك.
ويؤسسون منظمات في البلاد المستهدفة، ويعطونها هذه الأسماء البريئة.
وهذا عين ما نفذوه في السودان للتحايل للإطاحة بنظام الإنقاذ.
وتستطيع أن تجزم بكل ثقة أن كل المنظمات، التي برزت في السودان منذ 2011م (عقب انفصال الجنوب) وحتى اليوم مُمَوّلة عبر مخابرات إحدى الدول الغربية أو مؤسسات أنشأتها كغطاء لأعمالها التدخلية في السودان.. وكلها مطلوب منها جمع معلومات، والتشريب العقائدي للشباب من الجنسين بقيم الليبرالية الغربية، وتجميل نمط الحياة الغربي بمكوناته السياسية والاجتماعية والثقافية، ليتبناها الشباب ويروجوا لها من بعد.
ولبلوغ تلك الغايات عملت عبر المنظمات التي أقاموها على تنظيم دورات وحوارات وورش عمل وندوات في نيروبي وفي اروشا وفي باريس ولندن وفي أكثر من مدينة أمريكية وفي جنيف وفي القاهرة وبروكسل ودبي، وسفّروا لها مئات الشباب، غالبيتهم العظمي أعضاء في الأحزاب اليسارية، وجرى تدريبهم على برامج الدعاية والترويج في السوشيال ميديا، وحتى تنظيم الحشود، توطئة لليوم الموعود!!
وما نكتبه هنا معلومات حصلنا عليها، وليس ترجيحات ولا تكهنات.
من الشخصيات التي تقاضت أموالاً من الوقف NED وجرى تلميعهم فيصل محمد صالح، الذي عُيّن وزيراً للإعلام بعد (الثورة)، ولم تكن تلك مصادفة.
وبعد فلم يكن هدفي من هذه المقالات أن أجعل من الإسلاميين ملائكة يمشون على الأرض، لكنهم حتماً ليسوا شياطين.
والمهم أيضاً أننا لم نرصد لهم عملاء لأجنبي، وفي سبيل الوطن ضحَّوا بالآلاف من بينهم.
هذه هي الحقيقة التي يسعون أن يخوفونا حتى لا نقولها.