كباية الشاي السادة ..عندما عضّ الولد الكلب الوعي العام سر مواجهة الفيروس
الكاتب عماد الدين ميرغني
إحدى أبجديات الإعلام أن الخبر لابد أن يحمل عنواناً ذو طابع غرابة، وهنا جاءت مقولة أن الخبر ليس في أن الكلب قام بعض الولد وإنما الخبر في أن الولد قام بعض الكلب، فالغرابة تمكن في الحدث الأخير وليس الحدث الأول.
وعلى غرار هذا الأمر؛ ضج موقع التواصل الإجتماعي على مستوى السودان بالخبر الذي تحدث عن الطفل حديث الولادة الذي نطق وقال بأن شراب كوب شاي خالٍ من السكر يقي من فيروس كورونا، في صياغة لحدث وصل إلى درجة المعجزة، وهنا يعجز اللسان عن التعليق!!.
وبالطبع؛ كانت الضجة تكمن في جائحة السخرية من هكذا خبر تمت كتابته في إحدى المنشورات. ولا تكمن المعضلة في مثل هذا الموقف الساخر، وإنما تكمن المعضلة عند أخذ المواقف على محمل الجد.
الفيروس يسطير على عقل البشرية
عندما تصطدم بأكثر من شخص يحدّثك عن أنه تم إيقاظه ليلاً من نومه لشرب كوباً من الشاي الخالي من السكر، هنا يذهب ينشغل التفكير بشكل جدي في التعامل مع الأمر في ظل الظرف المهدد للبشرية على مستوى الكرة الأرضية.
فاللذين تعاطوا الخبر بيقين خالص ليس بالعدد الهين من أناس يغلب على تفكيرهم البساطة في تناول الأمور دون تفكير وتشكيك وتريس وتتبع للأمر، فبمجرد نشر الخبر على موقع التواصل الاجتماعي كانت الصاعقة تكمن في كم المعلقين بالمستغفرين والمسبحين لله عز وجل، ولله المثل الأعلى.
ضحايا الاعلام
هذا على مستوى موقع التواصل، فكيف بالناس الذين سمعوا بالخبر وتناولوه على محمل الجد!!. لا أحد يعلم حتى الآن، لكن الواضح أن الجهل بما حول الوباء من طرق إنتشاره والأعراض التي تصيب الإنسان ومضاره على الجسم؛ ما زال مسيطراً على تلك الشريحة البعيدة كل البعد عن وسائل التوعية، وهنا تكمن القضية.
في الساعات القليلة الماضية؛ إنتشر فيديو لإمام مسجد في خطبة الجمعة يتحدث ساخطاً عن إجراءات الوقاية، من حظر للتجول إلى الحديث عن ضرورة الإنعزال وتجنب التجمعات.
امام يسئ الى الاطباء
صادم هذا الأمام الأمر في خطبته بسخط إلى تلك الدرجة التي جعلته يتفوه بلفظ مذموم في عرف المجتمع السوداني المُحافظ بطبعه، مهاجما الأطباء، لترجيح أوامر شرع الدين من إقائمة الشعائر التعبدية باعتبارها ضرورة لا ينبغي أن يوقفها أي أمر وإن كانت كارثة مهددة لبقاء البشرية.
وبغض النظر عن جدل الإيمان بالدين وأوامره وبما يتعلق بهذه الحياة، وبالعودة لخبر الطفل حديث الولادة الذي نطق، يكمن الأمر في الوعي العام السائد في ظل الظرف الراهن، وهو الأمر الضروري الذي ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد في ظل الظرف الخطير الذي يحيط بنا.
الخطابات التي تحرك الوعي العام ليست بالضرورة أن تكون خطابات ذات طابع ديني، وإنما من الممكن أن تكون خطابات سياسية. كل هذه الخطابات تساهم في التحكم في الوعي العام.
الوعي
والقضية هنا هي قضية قيادة الوعي العام وسوقه لخطر الوقوع في مسببات إنتشار الوباء، ومن ثم حصد النتائج الوخيمة التي يخشاها الجميع.
والشاهد على الأمر؛ أن ما يحدث في إيطاليا من سرعة في وتيرة الإصابات بالوباء وسرعة في وتيرة حصد الوفيات من حالات الإصابة، كانت أولى مسبباتها خطابات سياسية قللت من شأن الوباء.
في إحدى الفيديوهات تناولت جملة من المواقف التي ظهرت من تصريحات ومواقف لسياسيين على مستوى الحكومة الإيطالية وعلى مستوى المعارضة الموجودة في البرلمان.
بدأت باتهام الحكومة بالعمل على تعطيل الديمقراطية عبر الحديث عن مخاطر إنتشار الفيروس، مروراً بإهمال إجراءات الحجر تجاه العائدين من الصين بسبب أن الدعوة من أحد منسوبي المعارضة اليمينية، مروراً بترويج لشائعات الفوضى هدفها تشويه سمعة المعارضة، ومن ثم الدعوة لممارسة الحياة بشكل عادي وعدم بث الذعر.
كانت سببا لانتشاره في ايطاليا
كل هذه الشواهد كانت السبب الرئيسي في انتشار الفيروس بقوة في إيطاليا؛ والتي جعلتها في الوقت الحالي الأولى في العالم من حيث عدد الإصابات وعدد الوفيات؛ متخطيةً بذلك الصين التي بدأ عندها إنتشار الوباء ومنه انتشر للعالم.
وخلاصة الأمر هنا هو أن الوعي العام يتم التحكم فيه بخطابات مؤثرة. وكلما كانت هذه الخطابات المؤثرة في الوعي العام تسير في اتجاه ضد الإحتراز من مسببات إنتشار الفيروس، كلما كان الإنتشار أكبر بين الناس وبالتالي حصد المزيد من الإصابات بالوباء المستشري في العالم.
وما يُستفاد من كل هذا، هو أن الوعي العام ما زال يحتاج إلى مجهود بكل الوسائل الممكنة في سبيل دحر الوباء والانتهاء منه، فتلك الخطابات التي تنتشر من تلك الأخبار على شاكلة “عض الولد الكلب” لا تسمن ولا تُغني من جوع في سبيل محاربة الوباء.
وبهذا الصدد كان قد انتشر فيديو لوزيرة الصحة الإيطالية؛ التي بدا عليها الغضب مما حدث في إيطاليا من حديث الجميع عن الفيروس والكم الكبير من المعلومات المغلوطة عن الفيروس وعن الوباء.
الجدية
فقالت أنه من الواجب العمل في الإعلام بشكل جاد لمشاركة حديث الأطباء والعاملين في المجالات الطبية فقط؛ هم المسموح لهم في الحديث عن الفيروس؛ حرصاً على نقل المعلومات الصحيحة.
فلا خبراء السياسة ولا السياسيين ولا المنظرين ولا الفلاسفة ينبغي لهم الحديث عن هذا الأمر لأنهم لا علم لهم بحقيقة الفيروس وحقيقة هذا الوباء.
والحقيقة؛ أنه أمامنا كل العِبر والدروس وكل ما يخص هذا الوباء وطريقة التعامل معه، فوصوله للسودان في التوقيت المتأخر؛ أتاح لنا تكسّب الكم المعرفي عن هذا الوباء وطريقة التعامل معه بكل إجراءات الوقاية,
وبما ينبغي أن نفعله في حال الشعور بأي أعراض، ورغم ذلك ما زال الجميع يحتاج بذل مجهود لسوق الوعي العام تجاه الوقاية أكثر من الأخبار الغريبة التي لا تخدم القضية وتبعدنا عن التعامل بدرجة عالية من الجدية مع الأمر.