محكمة ألمانية تقضي بسجن ضابط سوري لتكون أول محاكمة لانتهاكات حقوق الإنسان
قضت محكمة ألمانية الأربعاء بسجن أحد المتهمين الاثنين في قضية تعذيبمنسوبة لجهات حكومية في سوريا بالسجن لمدة أربعة أعوام وستة أشهر، حيث يصف الادعاء العام الألماني هذه القضية بأنها أول قضية جنائية على مستوى العالم ضد جرائم تعذيب متورط فيها جهات حكومية في سوريا.
واستقر في قناعة المحكمة العليا في مدينة كوبلنز الألمانية أن المتهم السوري إياد الغريب مذنب بتهمة ارتكاب جريمة ضد الإنسانية لتكون بذلك أول محاكمة في العالم فيما يتعلق بتهم تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان من قبل النظام السوري.
وكان المتهم، الذي فر إلى ألمانيا وتم القبض عليه فيها، عميلا لدى جهاز المخابرات العامة في سوريا. ووفقا لقناعة المحكمة، فإن المتهم (44 عاما) مذنب بتهمة التعذيب وسلب الحرية. ومن المقرر مواصلة المحاكمة ضد المتهم الرئيسي السوري، أنور ر. (58 عاما) والتي قد بدأت في نيسان/ أبريل 2020. ولمحاكمتهم، تطبق ألمانيا مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يسمح بمحاكمة مرتكبي أخطر الجرائم بغض النظر عن جنسيتهم ومكان حدوث الجرائم.
ومع اقتراب الذكرى العاشرة لانطلاق الانتفاضة الشعبية في سوريا في 15 آذار/ مارس 2011، هذه هي المرة الأولى في العالم التي تصدر فيها محكمة حكما في قضية مرتبطة بالقمع الوحشي والدامي من قبل دمشق للاحتجاجات من أجل الحرية التي جرت في إطار “الربيع العربي”.
وإياد أ (44 عاما) متهم بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية. وهو متهم بالمشاركة في اعتقال وحبس ما لا يقل عن ثلاثين متظاهرا في دوما كبرى مدن الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق، في معتقل سري تابع للنظام ويسمى “الفرع 251” أو الخطيب في أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر 2011.
وهما أول متهمين يمثلان منذ 23 نيسان/ إبريل أمام المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز (غرب) لتلقي العقوبة بعد أن اختار القضاة تقسيم الإجراءات إلى قسمين.
أما المتهم الثاني أنور ر. (58 عاما) فيعتبر أكثر أهمية في جهاز الأمن السوري الواسع وملاحق بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قتل 58 شخصا وتعذيب أربعة آلاف معتقل خصوصا. ومن المتوقع أن تستمر محاكمة هذا العقيد السابق حتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر على الأقل.
بداية التحرك القضائي
في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول قدم تحالف من ثلاث منظمات غير حكومية شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا ضد أشخاص لم يتم الكشف عن أسمائهم فيما يتعلق بحسب ما يبدو أنها هجمات بغاز السارين على الغوطة عام 2013 وعلى خان شيخون في عام 2017.
وكانت ألمانيا قد سنت عام 2002 قانونا خاصا يسمح لمحاكمها التدخل في نزاعات وبت القضايا حتى لو لم يكن الحدث على أراضيها ولا يوجد ألمان مشاركون، وذلك على مبدأ الولاية القضائية العالمية للجرائم الدولية، مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية. نجحت ألمانيا بالفعل في جعل القانون المحلي الألماني يتوافق مع نظام روما الأساسي، وهي معاهدة تم على أساسها إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في ذلك العام.
وبذلك، وسعت ألمانيا ولايتها القضائية لتشمل “أخطر الجرائم التي تمس المجتمع الدولي ككل” ليتبع ذلك إلى قيام كل من “مبادرة عدالة المجتمع المفتوح” و”الأرشيف السوري” و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” بتقديم شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام الاتحادي في كارلسروه، حيث بدأت وحدة جرائم حرب -تأسست حديثاً- تحقيقًا تفصيلياً عام 2011 في الفظائع المرتكبة في سوريا.
قدومه أثار اهتمام القضاء في ألمانيا
وكان إياد قد وصل في 25 نيسان/ إبريل 2018 إلى ألمانيا بعد رحلة طويلة في تركيا ثم في اليونان ولم يخف ماضيه يوما.
وعندما روى رحلته الشاقة للسلطات المسؤولة عن البت في طلب اللجوء الذي قدمه، أثار اهتمام القضاء الألماني ما أدى إلى اعتقاله في شباط/ فبراير 2019.
ويؤكد الادعاء أنه كان جزءا من نظام يُمارس فيه التعذيب على نطاق واسع. ولزم إياد خلال جلسات الاستماع التي استمرت عشرة أشهر، الصمت وأخفى وجهه عن الكاميرات. ومع ذلك فقد كتب رسالة أعرب فيها عن حزنه على الضحايا.
وكان يبكي وهو يستمع إلى محاميه يطالبون ببراءته بحجة أنه كان سيعرض حياته وحياة أسرته للخطر إذا لم ينفذ أوامر في نظام يسحق كل نية العصيان.
كان المتهم تحت إمرة ابن خال بشار الأسد والمقرب منه حافظ مخلوف المعروف ببطشه. ومع ذلك، استنكر أحد محامي الادعاء المدني باتريك كروكر صمته. وقال إن أشخاصا “من رتبته يمكن أن يكونوا مهمين جدا لإعطائنا معلومات (عن المسؤولين السوريين) الذين نستهدفهم بالفعل لكنه اختار عدم القيام بذلك”.