بعد خروج السودان من قائمة الإرهاب.. دول أوروبية كثيرة تتجه نحو الاستثمار فيه
بعد قرارات السودان التطبيع مع إسرائيل ومن ثم القرار الأميركي برفعه من القائمة السوداء للدول الراعية للإرهاب إنهالت فرص الاستثمار على السودان الذي سيتمكن أخيراً من النفاذ إلى المساعدات والتواصل مع صندوق النقد الدولي ومن ثم الحصول على جرعة الأوكسجين اللازمة لبقائه على قيد الحياة.
ليس هذا فحسب، حيث إن هذا القرار أسال لعاب الدول الأوروبية، ولا سيما إيطاليا لبحث فرص وإمكانيات إنعاش الاقتصاد السوداني وتعظيم مشاركة القطاع الخاص الإيطالي في البلد العربي الأفريقي.
وتتطلع إيطاليا باهتمام بالغ إلى السودان الذي تفد منه حصة كبيرة من تدفقات المهاجرين غير الشرعيين الذين يشكلون صداعاً مزمناً في رأس دول أوروبا المتوسطية وفي مقدمتها إيطاليا.
موقع متميز وفرص
وذكرت الدورية الدبلوماسية الاقتصادية الصادرة عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإيطالية في تقرير حديث، حمل عنوان “السودان: النهضة عبر الاستثمارات الدولية” أن السودان يملك على المستوى الاقتصادي العديد من عناصر القوة المتمثلة في الإمكانيات الهائلة للتنمية في القطاعين الزراعي والحيواني: فمن وفرة الموارد الطبيعية- ولاسيما الذهب والصمغ العربي- إلى الموقع الجغرافي الذي يجعل منه محوراً مميزاً لتقاطع الطريق بين دول الساحل والقرن الأفريقي، ومن المنافذ البحرية إلى القوى العاملة الشابة.
عوائق
على الرغم من تلك العوامل الجاذبة، فإن السودان يواجه على الجانب الآخر سلسلة من المعوقات ثمرة تراجع دام لثلاثة عقود تُسأل عنه سياسات نظام عمر البشير والعقوبات الدولية التي طال أجل سريانها.
وتتمثل تلك المعوقات الرئيسية وأكثرها حساسية في: عدم كفاءة عملية تطوير شبكة البنى التحتية، بدءا من شبكة الطرق والسكك الحديدية والمطارات وميناء بورسودان، والبنى التحتية لقطاع الطاقة التي عفا عليها الزمن وعدم ملاءمة القوانين الوطنية الحامية للاستثمارات والتحويلات المصرفية، وأخيراً الانفتاح المحدود للغاية، حتى الآن، على أنماط من التعاون على المستوى الدولي مع وجود أولوية للتعاون على الصعيد الاقتصادي مع بعض الدول مثل الصين.
وأوضحت الدورية أنه بناء على ما تقدم، فإن ثمة عزما لدى المستثمرين لإطلاق برنامج على المدى القصير لإعادة تأهيل البنى التحتية ارتباطاً بالتمويلات الدولية، بدءا من إسهام وكالة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي بقيمة 1.3 مليار دولار الذي سيضعه تحت تصرف السودان خلال النصف الثاني من العام الجاري.
علاوة على أن ثمة دراسة تُجرى حالياً على المستوى القانوني واللائحي من أجل إدخال نظام النافذة الواحدة للاستثمارات وقوانين مكافحة الفساد وإصلاح النظام المصرفي من خلال تفعيل نظام مصرفي مزدوج حقيقي وما يتصل به من تحرير تدريجي لاستخدام العملة الإلكترونية.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى تحول مهم حدث في شهر فبراير/شباط الماضي من خلال قرار سلطات السودان إجراء خفض كبير على قيمة الجنيه السوداني في محاولة لإلغاء الديون الخارجية ومحاربة السوق السوداء وجذب مزيد من الأموال والاستثمارات إلى البلاد.
وقالت الدورية إنه على ضوء تلك التطورات، يبرز بوضوح ما يمثله السودان كبلد غني بالفرص للشركات الإيطالية، حيث يحتل المركز الـ113 من بين الدول المستقبلة للصادرات الإيطالية والمركز الـ13 من بين دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.
ويملك السودان مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، تستخدم 20% منها فقط تطبيقات التكنولوجيا الحديثة، ما يتيح فرصاً واعدة لتنويع الاقتصاد في قطاعات بعينها، مثل الزراعة والاستثمار الزراعي، خاصة مع تفوق البلاد في إنتاج السمسم (ما يعادل 80% من الإنتاج العربي و40% من الإنتاج الأفريقي)، واحتلالها المركز الأول عالمياً في إنتاج الصمغ العربي المقدر على المستوى الدولي نظراً لدخوله في كثير من القطاعات.
ولفتت إلى أن المنتجات الغذائية الإيطالية معروفة لدى المستهلكين السودانيين وتحظى بتقديرهم، إلا أن أسعار تلك المنتجات المستوردة تقف حائلاً دون حصول فئة المستهلكين من ذوي القدرات الشرائية غير المرتفعة عليها، لذا فإن إنتاج بعض تلك المنتجات الإيطالية الأساسية محلياً من شأنه توسيع قاعدة مستهلكيها في البلاد.
قطاع المعادن
وبالنسبة لقطاع المعادن، فإنه يمثل أحد القطاعات ذات الأولوية من زاوية إطلاق الاستثمارات الإيطالية بالسودان الذي يحتل المركز الثاني في إنتاج الذهب على مستوى القارة الأفريقية، وفي هذا السياق تسعى وزارة المعادن السودانية إلى تنظيم القطاع من خلال إدخال منظومة معلوماتية جديدة لتبسيط المعاملات والإجراءات الإدارية بهدف تسهيل عملية الاستثمار، كما أن التوضيحات التي تقدمها الوزارة بشأن التشريعات وأنواع الخدمات المختلفة من شأنها تسريع إجراءات منح تراخيص جديدة لصالح شركات جديدة.
وفي ما يتعلق بأنشطة استخراج النفط، فإنه يشهد مرحلة توسع تحمل فرصاً أيضاً للشركات الأجنبية، مع الأخذ في الاعتبار أوجه النقص الهيكلية السودانية ورغبة الحكومة في المضي قدماً في هذا المسار تحت إلحاح ضرورة تنويع اقتصاد البلاد.
ورأت الدورية أن جغرافية السودان وظروفه المناخية علاوة على ضرورة خفض استهلاك النفط، تفسح المجال لإمكانيات مستقبلية مهمة في قطاع الطاقة المتجددة، وتخصص الحكومة السودانية حالياً ميزانية محدودة للعلوم والتكنولوجيا، ما كان له أثر سلبي على البنى التحتية للطاقة في البلاد.
وأخيراً، فإن القطاع السياحي من الممكن أن يشكل أرضية لتنمية الاستثمارات. وعلى الرغم من أن السودان لا يمثل إحدى المقاصد السياحية الجماهيرية، فإنه يملك مواقع أثرية رائعة من الممكن، إذا أُحسن تقييمها من قبل فنادق وقرى سياحية ملائمة، أن تصبح مقصداً سياحياً ذا أهمية تاريخية وفنية بالغة.