ما بين إنقلاب يونيو ١٩٨٩ وإنقلاب يوليو٢٠٢١ !
هي ليست إنتهازية لكي نصيح (وجدتها…وجدتها) كما فعل العالم ارخميدس عندم اكتشف نظريته الشهيرة ! ونحن نبحث عن تبرير وشرعية لانقلاب يونيو١٩٨٩! بالنظر لما جري مساء أمس في تونس عندما انقلب الجيش ضد الحكومة المنتخبة ديمقراطيا” وان تم ذلك شكليا” ببيان من الرئيس المنتخب أيضا”! والمقصود أننا وجدنا الدليل علي صحة قرار التغيير بالقوة في يونيو ١٩٨٩ ! الامر ليس كذلك !
الاتهام الموجه للحركة الاسلامية في السودان أنها ارتكبت أكبر اخطائها التاريخية بتنفيذ انقلاب يونيو١٩٨٩ ! وأنها تعجلت التغيير الذي كان في متناول يدها لو أنها صبرت علي التجربةالديمقراطية الثانية واتت للحكم بالشرعية الشعبية عبر صندوق الانتخابات: بل زاد الامر أن كثير من الذين شاركوا في حكومات الانقاذ المختلفة انقلبوا علي التجربة ونكسوا علي رؤوسهم وطفقوا يعددون مساوئ التغيير بالقوة والانقلاب علي النظام الديموقراطي ..
ووجدوا في التجربة التونسية ضالتهم الكبري في تقوية حجتهم والمبالغة في تضخيم الخطأ الي حد التجريم لقرار التغيير بالقوة في يونيو ١٩٨٩…وفي المقابل أشادوا بتجربة حركة النهضة التونسية وبحنكة ومهارة قائدها الشيخ راشد الغنوشي وكيف أنه طوّع حركة النهضة لكي تتعايش مع العلمانية المتجذرة في تونس ! واقناع عضوية الحركة علي تقديم التنازلات المؤلمة حتي يسمح لحركة النهضة بالحكم عبر الانتخابات وتتجنب مصير مثيلاتها في مصر وليبيا والجزائر !!
وهنا لا نريد بأي حال من الأحوال مطالبة الاسلاميين بالتراجع عن الإنخراط في اللعبة الديموقراطية والكفر بها ..بل بالعكس من ذلك : يتعين عليهم ترسيخ مبادئ الحرية وتعزيز الاختيار الشعبي عبر صندوق الانتخابات..كل ذلك واجب عليهم ومطلوب !
ولكن هذه المثالية في التفكير أثبتت التجارب أنها مثالية منزوعة الأنياب ونتائجها في الغالب الاعم فاشلة : لدينا تجارب العقود الاخيرة : الجزائر أوضح مثال ..فاز الاسلاميون عن طريق الانتخابات الحرة ..تم الانقلاب عليهم وادخلوا السجون واصبحوا مجرمين وارهابيين لانهم تجرأوا علي الفوز !!
في مصر نفس السيناريو تكرر ! وبصورة دموية ابشع !
في ليبيا فاز الاسلاميون بعد سقوط القذافي : تم صنع المجرم خليفة حفتر من العدم لإجهاض فوز الاسلاميين وكان له ما اراد !
في تركيا : الراحل اربكان بعد اقل من عام من حكومته الائتلافية المنتخبة شرعيا” أجبر علي الاستقالة ومنع من السياسة ووضع تحت الاقامة الجبرية لأنه فقط كان يقيم الصلوات في القصر الرئاسي ويحمل مسبحة في يده !!
وقبله عدنان مندريس الذي شنق لأنه كان ينفذ برنامجه الذي علي أساسه فاز في انتخابات حرة !
نعود لانقلاب الأمس في تونس هو صورة بالكربون من انقلاب ١٩٩٧ ضد اربكان! فقط مع الفارق ان الرئيس التونسي سعيد تحالف مع العكسر لاعلان الانقلاب الناعم !
بيمنا العسكر في تركيا تحالفوا مع المعارضة العلمانية لازاحة اربكان ! النتيجة واحدة ! الاسلاميون ممنوعون من الحكم حتي ولو اختارهم الشعب!
يقولون لنا كيف حكم اردوغان ٢٣ عاما” وهو اسلامي ؟ هو استثناء لاسباب يطول شرحها ولكن أهمها أن الشعب التركي اخذ جرعات تحصين كافية ضد وباء كورونا الإنقلابات ! بينما شعوبنا العربية ولدت وهي تحمل جينات الخضوع والاستسلام للاقوي عسكريا” فقط !
جسمها يرفض التطعيم ضد الانقلابات!
تقاد كالقطعان ضد مصالحها وهي لا تدري!
حتي انقلاب اللجنة الامنية ضد حكومة الإنقاذ: هو انقلاب كامل الدسم ! ليست ثورة شعبية مجيدة او بطيخة ! تم الانقلاب بخيانة بائنة استباقا” للتغيير الذي كان يجري داخل الحزب الحاكم لإلغاء ترشيح البشير وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني والتي كانت كفيلة بوضع السودان في مسار التحول الديمقراطي الكامل!
الدرس الاخير هو : أن
قدر الاسلاميين ان يعيشوا ممسكين علي الزناد ! لا يتسلطون الحكم علي الناس قهرا” وجبروتا” بل يأتون للناس بالحسني ويجادلونهم بالتي هي أحسن …هذا هو الأمثل ! ولكن في نفس الوقت يتعين عليهم ان يحملوا البندقية بيد وورقة الانتخابات باليد الاخري !