في أكاذيب الديمقراطية الغربية واعلامهم المضلل
منذ الحرب العالمية الثانية بنيت الإستراتيجية الدعائية الغربية على أكذوبة دعم الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، فكانت كل التدخلات الغربية وفقا لتلك الإستراتيجية، بالرغم من أن أغلبها كان دعما لدكتاتوريات وامتهانا لإنسانية الإنسان، ولن يجد المرء صعوبة في مراجعة تدخل الغرب العسكري الذي طال كل بلدان العالم، فمن دعم بلجيكيا لفاشية تشومبي وتنكيلهم بالقائد المدني الأفريقي لومومبا في الكونغو، الى انقلاب أمريكا على الندي في تشيلي ودعم الدكتاتور السفاح بينوشيه لعقود طويلة، أما معارك فيتنام والعراق وليبيا فهي أمثلة صارخة فضحت أكاذيب الغرب.
من ضمن الحقوق الأساسية التي يدعي الغرب الدفاع عنها حرية التعبير، ويقيسون مؤشرات الديمقراطية في البلاد المختلفة وفقها، طبعا مع ملاحظة أنهم يقصدون بحرية التعبير تبني الخطاب الإعلامي الغربي، وما عداه يضعونه في خانة التحريض الذي يعاقب عليه القانون!
في عام 2011 حشدت الدول الغربية ماكينة إعلامية عالمية لإدارة معركة إسقاط الدولة الليبية لكنها ضاقت ذرعا بالقنوات الليبية البسيطة، فقامت بإصدار قرارات لمنع بثها الفضائي، كما قامت باستهداف محطاتها ومرسلاتها واستوديوهاتها بغارات جوية وضربات صاروخية، لكن العالم لم ينتبه ولم يهتم لذلك!
الأزمة الأوكرانية فضحت الكذبة الغربية، فلم تكتف بمنع القنوات والوكالات الإخبارية الروسية من البث والعمل في أوروبا، وعبر وسائط التواصل الاجتماعي، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير بأن أعلنت الشركات التي تدير وسائط التواصل الاجتماعي السماح ببث ونشر مواد تحض على قتل الروس، الأمر الذي كان محرما ومجرما ويتعرض من يقدم عليه إلى عقوبات صارمة! وهنا نذكر أيضا بإقحام الرياضة والفن والأدب في المعركة، فمنع الفرق الروسية من اللعب من قبل هيئات رياضية يفترض أن تكون دولية وللجميع ولا تخضع لسياسات الغرب، وقيام جامعات أوروبية بمنع تدريس أدب دوستويفسكي، وإبعاد الموسيقيين الروس العاملين في الغرب، كل ذلك يعتبر وفقا للمفهوم الغربي مناقضا لأبسط مبادي حقوق الإنسان!
لقد اضطر الغرب أمام خطورة الأزمة الأوكرانية إلى التخلي عن الذرائع التي كان يحاول أن يتقنع بها لتمرير مشاريعه في العالم، ولم يتأخر في اتخاذ إجراءات قوية خوفا من تأثيرات وصول الجانب الآخر من الرواية الى الرأي العام الغربي الذي يراد تعبئته لتحمل الآثار الشديدة للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية امتثالًا للإرادة الأمريكية، على روسيا.
الحقيقة أن الغرب لا يتورع في استخدام كل الوسائل لتحقيق نفوذه وتأمين مصالحه، ولعل أسهلها وأبسطها عدم احترام حقوق الأفراد ولا حياتهم حتى، فالماكينة العسكرية الغربية هي المسؤولة عن إنتاج ونشر أسلحة التدمير الشامل النووية والبيولوجية والكيميائية، واستعمالها.
أيا كانت تطورات ونتائج الحرب الأوكرانية من النواحي السياسية والعسكرية فإنها ستؤدي إلى سقوط النظرية الإعلامية للغرب بعد أن فقدت الغطاء الذي كانت تتسلل تحته لتصل إلى عقول الناس لبرمجتها مؤقتا، وأتصور أنهم لن يعدموا الوسائل لاختراع آليات أخرى وتكتيكات جديدة، لكن الرهان على دور النخب العالمية المطالبة بالبحث في كيفية تطوير نتائج الحرب الأوكرانية في بناء توازن إعلامي يسمح بتحرير عقول الناس من الآثار المدمرة للإعلام الغربي.
مصطفي