الأزمة السودانية

الوفاق الوطني والتسوية السياسية يتحققان بالاعتراف بالآخر

الدعم الاستهلاكي ضار بالاقتصاد الوطني ونظام الانقاذ تبنى سياسة الدعم الاستهلاكي بعد استغلاله لعائدات البترول حتى ينعم كل الشعب السوداني بخيرات بلاده. الدعم الاستهلاكي خلال الوفرة التي حققتها الانقاذ كان يتم عن طريق موارد حقيقة وبعد انفصال الجنوب وخروج عائدات البترول من الميزانية العامة للدولة تبنت الانقاذ سياسة رفع الدعم الاستهلاكي تدريجياً حتى تأتي المرحلة المناسبة لرفعه نهائياً. قحت تبنت روشتة صندوق النقد الدولي في رفع الدعم كلياً عن الوقود والكهرباء والخبز والدواء في اول ميزانية سنوية لها بصورة كاملة فاجأت صندوق النقد الدولي نفسه فاصبح يطالبها بالمزيد!!. قحت رفعت الدعم على امل ان تحظى بدعم صندوق النقد الدولي وجزرة المجتمع الدولي المجمدة ولكنها جنت السراب. قحت ذهبت ابعد من ذلك بتحريرها لسعر الصرف بناءً على توجيهات صندوق النقد الدولي وجزرة المجتمع الدولي على امل ان تتدفق عليها الاستثمارات والمساعدات الخارجية التي هي في حقيقتها كانت عبارة عن وعود سياسية كاذبة لم يتحقق منها اي شئ. قحت بنت اول ميزانية سنوية لها على المساعدات الخارجية بنسبة 56% فكانت افشل ميزانية سنوية يشهدها السودان في تاريخه الحديث لانها مبنية على تقديرات غير حقيقية وعلى وعود سياسية خارجية لم يتم الالتزام بتنفيذها. الازمة الاقتصادية الحادة الحالية التي تعيشها البلاد تسببت فيها قحت بسياساتها الاقتصادية العشوائية حيث قامت برفع الدعم عن عناصر الطاقة التي تحرك الانتاج فقاد ذلك إلى خروج صادرات السودان من المنافسة في مجال التجارة العالمية هذا بالاضافة إلى أن اجراءات لجنة التمكين قد قادت إلى هروب الاستثمارات الداخلية وعزوف الاسثمارات الخارجية. التحسن المزعوم في استقرار سعر الصرف الذي اصبح يتحدث عنه ساسة قحت في آخر ايامهم يعود لتعويم سعر العملة السودانية التي فقدت قيمتها الشرائية وليس لزيادة في الانتاج. رفع الدعم وتحرير سعر الصرف تم بدون وجود احتياطي لبنك السودان للحفاظ على استقرار سعر الصرف فنجم عن كل ذلك ارتفاع نسبة التضخم وزيادة الاسعار بصورة جنونية لا يتحملها المواطن البسيط. الازمة الاقتصادية الحالية تركة مثقلة لا يتحملها الا رجل وطني مخلص يثق في نفسه وقدراته كثيراً مثل دكتور جبريل الذي قبل تولي منصب وزير المالية الذي اعتبره البعض حرقاً لمستقبله السياسي بينما اعتبره دكتور جبيل تحدياً له حيث تقبله بروح وطنية صادقة وامينة لانقاذ ما يمكن انقاذه. كذلك اتهمه البعض بانه يسعى لتوفير المبالغ المخصصة لتنمية دارفور التي تضمنتها اتفاقية جوبا كما اتهموه ايضاً بانهم يسعون لحكم السودان وهذا ليس اتهام وإنما ما هو طموح مشروع لكل سياسي. دكتور جبريل خلال توليه لمنصب وزير المالية برهن على انه رجل دولة من طراز فريد يقبل التحديات ويجعل المستحيل ممكناً. دكتور جبريل تمسك بسياسة رفع الدعم الاستهلاكي عن قناعة وليس خضوعاً لسياسات صندوق النقد الدولي التي تبنتها حكومة حمدوك الفاشلة. حكومة حمدوك نجحت فقط في وضع السودان تحت الوصايا الدولية ورهنت القرار السياسي الاقتصادي للدولة للقوى الخارجية ونشر خطاب الكراهية ضد الجيش والاجهزة الامنية ومؤسسات الدولة السيادية. دكتور جبريل الذي ينادي البعض بابعاده من منصب وزير المالية يعود له الفضل في تحرير القرار الاقتصادي للدولة بتبنيه لسياسة الاعتماد على الذات في وضع الميزانية السنوية للدولة. الميزانيات السنوية لحكومة قحت يتم تعديلها قبل توزيها للوحدات للصرف منها ويتكرر التعديل بصورة مستمرة حتى تصبح الدولة تسير بدون وجود ميزانية معروفة لها. اول ميزانية سنوية لدكتور جبريل لم يجري عليها اي تعديل حتى الآن وهي وتوشك على نهاية النصف الاول لانها مبنية على موارد ذاتية حقيقية وبدون دعم خارجي ولهذا ينادي المجتمع الدولي ويطالب بابعاده من منصب وزير المالية حتى لا ينجح في تحرير الاقتصاد السوداني لان تحرير الاقتصاد سيقود إلى تحرير القرار السياسي للدولة حيث اصبح اليوم الاقتصاد هو الذي يوجه ويتحكم في سياسات الدول. العسكريون نجحوا في تحرير القرار العسكري للدولة عن طريق منظومة الصناعات الدفاعية فهل ينجح السياسيون في اكمال تحرير القرار السياسي للدولة؟!!. سعدت كثيراً باسناد منصب وزير المالية للحركات المسلحة التي وقعت على اتفاق سلام جوبا لانني ناديت بذلك في عدة مقالات مطالباً فيها بان يسند منصب وزير المالية للحركات المسلحة لقناعتي التامة بان الميزانية لا تستطيع دفع مبلغ (750) مليون دولار سنوياً لتنمية دارفور لمدة (10) سنوات كما نصت على ذلك اتفاقية جوبا. انني على قناعة تامة بان دكتور جريل من خلال توليه لمنصب وزير المالية قد اصبحت له قناعة تامة بان الميزانية السنوية للدولة لا تسمح بتوفير هذا المبلغ سنوياً لدارفور ولهذا فانه سيقنع زملاءه الذين وقعوا على سلام جوبا بان ظروف الدولة الاقتصادية لا تسمح بتنفيذ هذا الالتزام حتى لا تتهم الحكومة بانها لا تلتزم بتنفيذ اتفاقياتها السياسية. دكتور جبريل يعتبر افضل وزير مالية للسودان بعد دكتور مصطفى عثمان رحمه الذي سيطر على سعر صرف الدولار في حدود (2) جنيه فقط طيلة توليه للمنصب. سياسات دكتور جبريل الاقتصادية قادت للوفرة التي تشهدها الاسواق حالياً كما قادت إلى انحسار ظاهرة الصفوف وتم كل ذلك تحت ظل ازمة الغذاء العالمي. سياسة الاعتماد على الذات التي تبناها دكتور جبريل ستقود لزيادة الانتاج والانتاجية لانها مبنية على موارد حقيقية وليست موارد سياسية متوهمة. ادارة اقتصاد الدولة باستغلال ثرواتها ومواردها المتعددة بارادة سياسية قوية وبدعم خارجي من الاصدقاء والاشقاء سيقود السودان إلى تجاوز ازماته الاقتصادية التي هي في حقيقتها ناجمة عن خلافات سياسية. نجاح سياسة الاعتماد على الذات اعترف بها أحد نشطاء قحت الذي صرح بان الحكومة الحالية ادارت شؤون الدولة بصورة افضل من حكومتهم المنحلة. الوفاق الوطني والتسوية السياسية تعرقلهما وتعطلهما قحت بشروطها التعجيزية الخاصة بالعودة لمرحلة ما قبل اجراءات 25 اكتوبر التي وصفتها قحت بالانقلابية وهي تدرك بان حكومتهم غير شرعية لانها غير منتخبة فالانقلاب يحدث ضد حكومة منتخبة معترف بها. قحت بسلوكها برهنت على انها تسعى للعودة لكراسي السلطة بدون انتخابات وبدون وضع اي اعتبار للمصالح الوطنية العليا للبلاد. نظام الانقاذ كان واقعياً بتقبله للتغيير الذي حدث واعلن تعاونه ودعمه وعدم معارضه له وهذا موقف وطني يحسب لصالحه وبرهن بهذا السلوك على انه اكثر وطنية من نظام قحت الذي دمر البلاد. العالم اليوم يعترف بالتبادل السلمي للسلطة الذي يأتي عن طريق صناديق الانتخابات وليس عبر سلطة الشوارع الغوغائية والفوضوية والعبثية!!. اطالة الزمن لانتظار تحقيق وفاق وطني كامل لتشكيل حكومة وحدة وطنية سيزيد هذا الانتظار الامور تعقيداً والاغلبية كافية لتشكيل الحكومة. ليس هنالك اي داعي او مبرر لانتظار اي مبادرة اممية او ثلاثية او ملتقى تحضيري رفضت قحت المشاركة فيه. خلاصة القول: تحت ظل خطاب الكراهية وسياسة الاقصاء والاحتقان السياسي وانسداد الافق السياسي والاستقطاب الحاد لا يمكن ان يتحقق وفاق وطني شامل او تسوية سياسية ناجحة بدون الاعتراف بالآخر والابتعاد عن سياسة الاقصاء. ختاماً: المطلوب الآن توحيد الخطاب السياسي للدولة حفاظاً على هيبة السلطة القائمة والاسراع في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لاجراء الانتخابات وتسليم السلطة للحكومة المدنية الجديدة المنتخبة. وبالله التوفيق.
فريق اول ركن حسن يحيى محمد أحمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Show Buttons
Hide Buttons