رسالة إلى وزير الصحة ” شكراً أكرم” !! الدولة تريدنا جميعاً..لا أصناماً
الكاتب : عماد الدين ميرغني
بالأمس تم نشر مقال الكورونا والثورة السودانية؛ عن أن الفيروس جاء في الوقت الذي من المفترض أن يكون فيه السودان في بداية نهضة حقيقية؛ وعن أن الشارع السوداني الذي أنجز ثورته ضد النظام البائد وارسل رسالته القوية للعالم.
من المفترض أن يكون حذراً في تعامله مع الأمور وحريصاً على كل إجراءات الوقاية ضد الفيروس لأن هذه الدولة ما زالت تنتظر منه الكثير لتحقيق تطلعات الثورة.
هذا الواقع الذي يعيشه السودان في الوقت الحالي يستحق الوقفة مطولاً نظراً للتعقيد الموجود بكم كبير من التداخلات في الكثير من التفاصيل خلقت هذه الأزمة الحالية.
وهو أمر يجعل الحكومة الإنتقالية الحالية في موقف لا يُحسد عليه سواء إتفق معها من كان أو اختلف معها الآخر في سياساتها وفي قراراتها ومواقفها.
اكرم حافيا فوق السنة اللهب
والكل يعلم أن السيد وزير الصحة؛ الدكتور أكرم علي التوم أبرز المتصدرين للمشهد في الوقت الحالي لكونه المعني بمواجهة هذه الجائحة.
والحقيقة أنه وجد سيلاً كبيراً من النقد في بعض القرارات والمواقف في مواجهة هذه الجائحة، لكن الحقيقة الأخرى تقول أن الأزمة التي تعانيها الدولة مع وصول جائحة الفيروس؛ تجعل السيد الوزير هو الآخر في وضع لا يُحسد عليه.
ومصادفةً؛ تزامن نشر مقال الأمس مع المؤتمر الصحفي للسيد وزير الصحة. وكان أبرز ما قال فيه عما يُثار في وسائل التواصل الإجتماعي؛ هو سخطه على عبارة “شكراً أكرم”، متسائلاً “لماذا الشكر؟”.
معبراً عن أن مثل هذه العبارة ما هي إلا تمجيد للأشخاص وصنع أصنام جديدة، وأن ما جاء به ووضعه في هذا المنصب هو التكليف وليس تشريف، وأن الكل في الحكومة الإنتقالية يمارس عمله وسيأتي الوقت الذي سيذهب فيه بعد الفراغ من عمله تاركاً مكانه لشخصٍ آخر.
أتبع حديثه هذا بشكره وامتنانه للشعب الذي ثار؛ وللشهداء الذين استشهدوا في سبيل التغيير والمصابين والمفقودين، وكل العاملين في قطاع الصحة؛ من العمال والأطباء والإداريين، وكل من يعمل لدرء هذا الوباء.
ومن ثم؛ عبّر جازِما بأن هذه الدولة ماضيةٌ إلى الأمام وأنها لن تعود إلى الخلف، مذكراً بأن هذا ما قاله الدكتور عبدالله حمدوك رئيس مجلس الوزراء عقب محاولة إغتياله.
وأنه لو تم اغتيال كل هذه الحكومة فإن الدولة قادرة على تعيين حكومة جديدة من الكفاءات الموجودة، وأن الشعب السوداني قادر على اختيار حكومة جديدة مثلما أتى بالحكومة الإنتقالية الحالية.
رسالة إلى الدكتور أكرم علي التوم:
قد لا تعلم أن ما كان يجول في خاطرك بتعبيرك عن أن هذه الدولة ستمضي إلى الأمام؛ هي ذاتها لب القضية التي كان بصددها مقال الأمس “الكورونا والثورة السودانية”.
وهو المقال الذي يتحدث عن مستقبل السودان ووجوب حرص الشعب على الإجراءات المطلوبة للنجاة من الفيروس لمواصلة عمله على تحقيق أهداف الثورة.
لذا؛ كان من الواجب أن يكون مقال اليوم رسالة لك عقب مؤتمرك الصحفي، والذي عبرت فيه عن تطلعات هذه الحكومة الساعية لتحقيق مطالب الشعب، من إسعاف لهذه الدولة والنهوض بها نحو الأمام.
إن معظم من ثاروا في في الشارع في وجه النظام البائد؛ هم من يتداولون آراءهم في مواقع التواصل الإجتماعي حول هذا الراهن لحظة بلحظة.
هم نفسهم من أسقطوا الصنميات في كافة مستوياتها، بعد أن كانت جاثمةً على صدورنا جميعاً ثلاثين عاماً لم نرَ فيها سوى الظلام الحالك شديد السواد.
وليس من المنطق أن من أسقطوا أصناما جاؤوا ليصنعوا أصناماً جديدة. لكن لك أن تتخيل أن ما كان يحلم به كل فرد منهم، بتواجد حكومة أخرى غير حكومة النظام البائد كان قد تحقق بعد أن كان ضرباً من ضروب المستحيل، ناهيك عن أن تكون هذه الحكومة الجديدة متفاعلة مع شعبها حتى في أحلك الظروف.
الشكر منحا للثقة
دعني أقول أن حقيقة الشكر الذي يُكتب “عبر الهاشتاق” في مواقع التواصل الإجتماعي (سواء شكراً أكرم أو شكراً حمدوك) ما هي إلا تعبير عن منح الثقة لهذه الحكومة في ظل هذه الظروف الحالكة.
فذات الناس الذين يشكرونك ويشكرون حمدوك تجدهم ينقدون الحكومة في قراراتها الغير موفقة دون أي محاباة أو ما نسميها “مجاملة” في لغتنا العامية.
ولعلك رأيت سيلاً من النقد في خطواتكم الأولى تجاه جائحة الكورونا، إبتداءً من الإعداد لمناطق الحجر مروراً بما يختص بالسودانيين العائدين من الخارج.
وإن كانت المسؤولية تقع مؤسسات أخرى معكم لتنفيذ كل ما يختص بالإجراءات الإحترازية للفيروس، لكن الصحة كان لها نصيب الأسد من النقد الذي قام به ثوار هذا الشعب في هذا المناخ الديمقراطي.
كل ما ذُكِر أعلاه ليس بذات القدر من الأهمية مقارنةً بما يخص المستقبل الذي من المفترض أن نرسمه نحن الآن.
إذ لابد أن يكون التشديد على الحذر في التعامل مع هذه الكارثة بالتشديد على الإلتزام بإجراءات الوقاية.
ولتعلم أننا جميعاً نتطلع للمواصلة في حصد ثمار هذه الثورة، ونجاتنا من كارثة الفيروس يعني إمكانية كبيرة للدولة لعبور الأزمة الإقتصادية الراهنة، وعندها سيرى السودان النور بانضمامه لركب العالم.
وبذات القدر الذي شكرت به الشهداء والمصابين والثوار والشعب والعاملين في القطاع الصحي جميعهم من أصغر عامل وحتى المدير وكل من يعمل لدرء هذا الوباء.
لزم أن أكتب لك “شكراً أكرم” على هذه الكلمة للتذكير بأن أماماً ثمار لهذه الثورة لابد أن نمضي لحصدها، وليس الشكر هنا بالضرورة تكريساً لخلق صنم جديد يُدعى أكرم علي التوم.
والله الموفق…