مقالات الرأي

الغرب يدفع كي يتحكم في القرارات السودانية

مجددا عن المساعدات الأمريكية التي لا تذهب إلى المساعدات….

حسنا قد فعلت جلسة مجلس الكونغرس الأمريكي من توضيح للرأي العام في السودان عن كمية الأموال التي خصصت لدعم الجهات الغير حكومية من المجتمع المدني، وقد دار جدل كثيف ومغالطات بعدها عن إنها دفعت أم لا، وكما قلت هذا غير مهم، غير إن العديد من المحسوبين على الجهات التي تعمل في مجال المجتمع المدني (المقصود) وممن طالهم (رأس السوط) بداءوا يبررون عن إنهم لم يستلموا وإنما كان مخطط وغيرها من الكلام الغير مفيد.

الثابت في الحديث إن اللغة التي تحدثت بها مسؤولة المعونة الأمريكية السيدة إيزابيل كولمان كانت واضحة بلغة ماضي وتأكيد وجاءت في معرض الدفاع عن مواجهة الإدارة الامريكية لقرارات ال25 من أكتوبر 2021م وتنفيذ للتوجهات والقيم الغربية حيث أكدت قائلة (We have already moved to a program of roughly 100 million dollars) . أكرر (Already moved) بلغة قطعية وتأكيدية إنهم مضوا بالفعل في برمجة حوالي 100 مليون دولار، وعبارة ( Roughly ) مذكورة في سياق الصرف وليس الخطة، وأرقام الخطط دوما أرقام مؤكدة كما في الموازنة، بينما الصرف المستمر يكون وفق البرامج والمواعيد لذلك تحتاج تدخل الكلمة تقريبا (Roughly) .

وهذا جهدهم لمواجهة القرارات التي أطاحت بحكومة قحت (أربعة طويلة)، عل الإجابة تشفي غليل النواب المتعجرفين الذين يتهمون إدارتهم بالتقصير، ولم تقل (We are working to program around 100 million dollars ) فهنا كان مفهوما إنهم يعلمون ولكنها قعطت القول بعبارة (Already moved) وهذا قطع شك بالمضي قدما في التنفيذ، قضي الأمر الذي فيه تستفيان.

ما أريد قوله هنا كم من المانحين الآخرين الذين لم تظهرهم جلسات المشرعين في بلدانهم ليفصحوا لنا عن ماهية المبالغ التي دفعت لنفس هذه السياسة؟

وهل هي أكثر أو أقل من ال100 مليون دولار للمعونة الأمريكية ؟ ونردد بالسؤال لمن صرفت هل لذات الفئات من المسماة بالمجتمع المدني؟

واقصد هنا بالسؤال المعونة البريطانية( UKAID) و قسم التنمية الدولية التابع لمشروع دول الكومونويلز (DFID) ومانحي دول الاتحاد الأوروبي وبقية السفارات الغربية التي تنشط بعثاتها في وضح النهار عبثا بسيادة بلدنا ومنتهكين لإتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961م والتي تحدد الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الدبلوماسي بين الدول وتبين الحقوق والواجبات الخاصة لأفراد البعثات الدبلوماسية.

في إحدى كورسات العلاقات الدولية قدم لنا البروف جوزيف كاسولي استاذ القانون الدولي ورقة كتبها نعوم تشومسكي كانت بعنوان الامبريالية الانسانية عقيدة جديدة للحق الامبراطوري منشورة على مجلة المنثلي رفيو في سبتمبر 2008م أيضا (Humanitarian Imperialism: The New Doctrine of Imperial Right) شدت انتباهي هذه الورقة من عدة أوراق مقدمة في الكورس، حيث لخصت مما يدور اليوم سيما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة والتي لم تعد هنالك أجندة ستسمح للغرب ان يتدخل في شؤون الدول الجنوبية او دول العالم الثالث ويسيطر على قرارها وسياساتها سوى بزريعة المساعدات الإنسانية أو عملا بمبدأ مسؤولية الحماية (Responsibility to protect ).

الملاحظ وضوحا إن دعم هذه المنظمات يدور في فلك قضية الحقوق الليبرالية التي تحرف بالنقاش الحقيقي وتسير به ناحية القشور مثل حق التعبير والنوع والاعتقاد والجنسانية والمثلية والنشر وغيرها، وليست النقاش حول الحقوق الأساسية المتعلقة بالجوهر والتي قسمت المجتمع لطبقات فقراء وملاك، بلورتارية وبرجوازية حسب المصطلحات القديمة، مثل القضايا الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتي تؤثر بشكل مباشر على حياة الناس.
يصرف الغرب بسخاء نحو تغيير المجتمعات الجنوبية ودول الشرق والعالم الثالث عبر هذه المنظمات وبث هذه القيم وتعتبر أداتها لتنفيذ سياستها الخارجية ( Foreign Policy Instruments) لذلك ليس مستغربا ان يتم نقاش ذلك الأمر في جلسة الاستماع للجنة العلاقات الخارجية في جلسة الكونغرس الامريكي.

يقرأ هذا الأمر كله مع قضية الثورة والتغيير التي تجري في بلادنا بعد سقوط نظام البشير، حيث انتهز الغرب الفرصة ليشكله حسب هواه حيث من يصرف في 100 مليون دولار واضح انه يريد أن يشكل سياسات وتوجهات التغيير في بلادنا حسب قيمه وتوجهاته، ويستعيد المسار حسب خطه، لذلك النفخة التي ينتفخونها حينما يأتي الحديث عن السودان ظاهرة إنها نتيجة إحباط والفشل للصرف الكبير والنتيجة الماثلة.

مبارك أردول

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Show Buttons
Hide Buttons